والطاعة من ضرورات الحياة الاجتماعية والسياسيّة، ولا تستقيم الحياة الاجتماعية والسياسية للإنسان من دون الطاعة، كما لا يستقيم للإنسان نظام سياسي ودولة من دون الطاعة. ومن عجبي أنّ العلوم السياسية لا تستطيع أن تقدّم تفسيراً علمياً يسلم من المناقشة للمبنى العلمي للطاعة. وسوف نجد أنّ القرآن هو المصدر الوحيد الذي يُقدّم للإنسان تفسيراً معقولاً للطاعة في آية الميثاق. ولسنا بصدد بحث علمي ـ في هذه الدراسة ـ عن المباني العلمية للطاعة، ومناقشتها، وتقييمها. فقد فصّلنا الكلام في هذا الموضوع في كتاب «الميثاق»[346]. ولكنّني أُشير فقط إلى أهمّ هذه المباني والملاحظات والمناقشات العلمية التي ترد عليها: أ) مبدأ القوة ونقده من هذه المباني «مبدأ القوة»، واعتبار القوّة مبدأً لشرعية الطاعة. ولسنا بحاجة إلى نقد هذه النظرية، وهي أوهى من أن تحوجنا إلى النقد، ولكنّي أذكر فقط النقد الذي يذكره «جان جاك روسو» في كتابه «العقد الاجتماعي» لهذه النظرية. يقول روسو: «القدرة هي قوّة فيزياويّة، ولا أستطيع أن أقنع بأنّ للقوّة أثر أخلاقي (وقانوني). والانقياد والتسليم للقوة أمر يتّبع الضرورة، وليس يتّبع الإرادة، ولا يمكن اعتبار هذا الانقياد والتسليم للقوة وظيفةً ومسؤولية. ولنفترض جدلاً أنّ القوّة توجد لصاحبها الحقّ في السيادة، فإنّ نتيجة هذا الافتراض سوف تكون نتيجةً غريبةً، وسوف يؤدّي أيّ تمرّد على القوة الحاكمة في