تثبت هذه الإمرة يومئذ ببيعة المسلمين له وإن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أمرهم بذلك، فإنّ هذه البيعة لا تزيد قيمتها من الناحية التشريعية على تأكيد هذه الولاية من ناحية، والطاعة من ناحية أُخرى. وهو كلام وجيه ومعقول، لا أجد إلى مناقشته سبيلا، وقد قرأت مناقشة بعض العلماء لهذا الرأي في كتابه «ولاية الفقيه»، إلاّ أنّني لم أتمكّن أن أخرج بمحصّل من قراءة المناقشة[177] في إلغاء دلالة البيعة على تأكيد وتوثيق الطاعة والولاية، وأثبات المعنى الثالث للولاية الذي يقرّ به المؤلّف في كتابه. واعتقد ان مدلول البيعة لا يزيد على هذا التأكيد والتوثيق فيما لو ثبتت الولاية لأحد بنصّ خاصّ من الكتاب والسنّة، كما في هذه الموارد في ولاية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وولاية أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) على رأي الإمامية. أمّا عندما لا تثبت هذه الولاية بنصّ خاصّ، كما في كل ولاية بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)للخلفاء على رأي أهل السنّة، كما في ولاية الفقهاء عند الإمامية في عصر الغيبة، فإنّ البيعة تدلّ على إنشاء الولاية، وبها تتمّ الولاية، وليس من قبلها ولاية لصاحبها على المسلمين، وسوف تأتي زيادة توضيح لهذه النقطة في توضيح القول الثالث. الرأي الثاني والرأي الثاني: أنّ البيعة شرط لصحة الولاية من قبيل (شرط الواجب)، كما في علاقة الوضوء بالصلاة، بمعنى أنّ الطاعة واجبة على المكلّف تجاه الإمام مع البيعة أو بدون البيعة، غير أنّ هذا الواجب لا يسقط عن عهدة المكلّف إلاّ بالبيعة، ولا تصحّ هذه الطاعة إلاّ بسبق البيعة، ولا يسقط عنه وجوب الطاعة من دون البيعة،