فالعالم يرتجف ويميد، وبنيان البيت الحرام يرتجّ، والأصنام من مواقعها فيه تسقط مكبّة على الوجوه، منكوسة الرؤوس. * * * ومن وراء «أُم القرى»، وفيما حولها، وبين ربوعها، أخذت يد الله تجري على بعض نواميس الطبيعة بالتغيير، راحت خوارق كونية، وعجائب حدثية، تتوالى هنا وهناك على امتداد الأبعاد، بياناً من بعد بيان. بمدينة «يثرب» على مسافة مئات الأميال من مكّة، في نفس أوان الميلاد، وبعيداً بعيداً عن موضح المولد، يهبّ من أهلها يهودي ذو علم، وعى ما في أسفار الأوّلين، فيعتلي أَطمة[214]مرتفعة من الآطام، ويصرخ بصوت مستغيث ملهوف: يا معشر يهود! يا معشر يهود! فيهرع إليه قومه على عجل وتوجّس، يسألونه نبأه: ويلك! لماذا تصيح؟ فيجيب، وفي نظراته رعب، وفي نحره مثل حشرجة، ورأسه تتدلّى على صدره كأنّه ذبيح: طلع الليلة نجم أحمد[215]. * * * وبمكة أيضاً في أندية قريش، في ذات الموعد، آخر غيره، من بني جلدته، كأنّه خياله، ينتفض كانتفاضته، يبغت[216] مثل بغتته، يهتف في الناس: ولد الليلة نبيّ هذه الأُمة وهو منكم معاشر قريش.