التي تربّت في حجر النبوّة أليفة زهد وترفّع عن رغبات النفس وزخارف المتاع! وهل الدنيا عندها سوى عمر قصير المدى مهما طال، يقطعه المرء سائراً على جسر، ينتقل فوقه من «هنا» إلى «هناك»، من الأُولى إلى الآخرة، من برّ المادة والفناء إلى برّ الروح والخلود؟ فماذ يُعنيها من أمر «فدك»، وماذا يُغنيها منها، أويُغني عنها ما تثمر من مال أو تساوي من مال إلى آلاف الأمثال، في العالم الجديد الذي لن تلبث أن تطرق بابه عمّا قريب؟ لا عناء، ولا غناء! كلّ ما كان يهمّها منها أن تكون قرباناً تقدّمه بيدها إلى الله، تماماً كقُربان هابيل ...فإن تقبّل الله فذاك، وإن تحرّك بالحسد غضب قابيل، فلن تعدم صوتاً يرنّ في البرية صائحاً على امتداد السنين: قابيل! ماذا فعلت بأخيك؟! * * * كلاّ! ليس مثل الزهراء من يطلب المال، أو يحزن لضياع المال. فحسبها في هذه العاجلة لُقَيْمات تسدّ الرمق، وتقيم الأود، فيصلب القدّ، ويعتدل العد، وتمتنع الأرض تحتها أن تميد. والعيش بعد هذا ميسور بالأسودين: الخبز والماء. زارها النبي يوماً وهي تطحن بالرحى، وعليها كساء خشن من وبر الإبل، فهاله ما كانت عيه من هزال، فيه نصب المكدود، وشحوب الواهن، ووصب العليل، عندئذ بكى الرسول من إشفاق، وقال: «تجرّعي يا فاطمة مرارة الدنيا لنعيم الآخرة»[1608].