فلم تُجِنّ الأنفس الطاهرة والوجدانات النقية قوةً إيمانيةً كالقوة التي أجنّتها الزهراء، ولم يعرف تاريخ البشرية ـ على امتداده ـ ثباتاً كثبات بني علي وفاطمة على حقّهم في الإمامة أو في خلافة الرسول. «حُوربوا فيها زمناً وتولاّها من لاشكّ عندهم ولا عند الناس في فضلهم عليه; كيزيد بن معاوية، فأنفوا أن يتركوها استخذاءً وخضوعاً ...وحاربوا فيها كما حُوربوا، وصمدوا للطلب الحثيث طالبين ومطلوبين مائة سنة، ثم مائتين، ثم ثلاثمائة سنة حتّى دانت لهم الخلافة باسمهم في عهد الدولة الفاطمية ... فلولا خصال فيهم تعين على هذا النضال، لما ثبتو هذا الثبات ... فإذا كان مرجع هذه الخصال إلى وراثة ـ ولابدّ لها من نصيب من الوراثة ـ فقد ورثوها عن فاطمة كما ورثوها عن علي، بل هي إلى ميراثهم من الزهراء أقرب منها إلى ميراثهم من الإمام ...»[1579]. وإذا خيِّل لامرئ أنّهم طلبوها حكماً، يتسنّمون به غارب السلطة، فما كان أقرب أيديهم منها ساعة وفاة الرسول، ولا أحد عندئذ يعلم الخبر، ولا مطمع فيها لطامع يرجوها لنفسه على خلاف معهم أو على اتّفاق ... لكنّهم لم يطلبوها غاية، وإنّما طلبوها وسيلة. ولا ملامة عليهم في ذلك، لأنّهم الأولى بالولاية، الأعرف بحقّها، الأقدر على القيادة على نهجها المستقيم. والولاية ـ لامريّة ـ هي أقصر الطرق إلى تحقيق الخير العام وإن رأينا الوالي ـ أيّ وال ـ مهما أصاب، لا يعدم قادحاً من هنا، وشانئاً من هناك. فالكمال لربّ الكمالات. ولقد طلبت فاطمة وعلي الإمرة أو الخلافة إيماناً واحتساباً في الله ... ثم طلبها بنوهما من بعد ابتغاء وجه الله، وعلى سنن رسوله والزهراء والإمام (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ