نعم ... ما أخلده من ميراث! ما أخلده حين نستنبئ شواهده، فإذا هي تتمثّل في انتفاضات النهضات التي تأتينا على يد هاتيك الأجبال المتحدّرة إلينا من ابنة الرسول، جيلاً وراء جيل. إنّها لبليغة الإيماء، ناطقة الإشارة تلك الانتفاضات! إنّها تخترق إلينا حواجز الماضي، وعلى يديها تراث القرون لتحيي الموروث في القائم المشهود، وتأتي بالقديم في الجديد. إنّها بعث ... إعادة تشكيل حياة ... ولادة بعد إذ ظُنّ أنّ الليالي عاقر والزمن عقيم . فإن تكن خمدت حيناً، فإغفاءة بركان ثائر! تماماً كسطح البحر، لا يعني سكونه الظاهر ألاّ يبسطه مدّ ويقبضه جزر، كأرتال الموج لا تكفّ عن الإقبال والإدبار، وعن الكرّ والفرّ ... موجة تهبط لتعلو موجة، ولجّة تسكت لتزأر لجّة. حين تهدأ تهدهد الرمل، وحين تهدر تقتلع الصخر. دائماً في نشاط ... دائبة الحركة وإن لم تكن دائبة الفَوَران. وذلك الموروث المستتر خلف الزمن، الرابض[1578] في أبعد أعماق النفس، كلّما آن له أن يظهر، اتّخذ لنفسه الهيئة التي توافق الظروف. فهو قادر على التكيّف والتشكّل والتلوّن كما تفعل أنواع الأحياء لتتلاءم مع البيئات والأجواء. تارةً هو نهضة دينية ... ومرّة صحوة فكرية ... وآناً حركة سياسية. وفي كلّ أولئك كانت الوسيلة دائماً هي الإرث الإيماني، أو قوة الإيمان، وكانت الغاية دائماً هي الإيمان. * * *