وهل لامرئ أن يوقف ما ليس من حرّ ماله؟ وبهذا غدت فاطمة وليّة الوقف، لها أن تصرف ريعه في مصارفه، ومن حقّها أن تأكل منه بحكم هذه الولاية، وعليها أن تحفظ أصل هذا الوقف، لا يباع، ولا يورث، ولا يوهب. ورد عن عمر بن الخطاب: أنّه لا جناح على من ولي الوقف أن يأكل منه[1476]. ويقصّ علينا ابن عمر: أنّ أباه أصاب أرضاً بخيبر، فأتى النبي فقال له: يا رسول الله، إنّي أصبت أرضاً لم أصب مالاً قطّ أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال الرسول: «إن شئت حبست أصلها، وتصدّقت بها». فتصدّق عمر أنّه لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث[1477]. كالشجرة والثمرة ... الأصل: الشجرة، والصدقة: الثمرة. أمّا الأصل فثابت لا يتغيّر إلاَّ بالإنماء، وأمّا الصدقة فيبدو أنّها كانت تنتقل من يد إلى يد، لا بما أنّها فقط غلّة، بل بما أنّها أيضاً حقّ من حقوق الانتفاع. يحدّثنا أنس: كان لأبي طلحة حديقة تستقبل مسجد المدينة، كان رسول الله يدخلها ويستظلّ فيها ويشرب من مائها، فلمّا نزلت آية: (لَن تَنَالُوا البِّرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) أقبل أبو طلحة على النبي فقال: إنّها أحبّ أموالي، فهي إلى الله وإلى رسوله، أرجو برّه وذخره فضعها حيث أراك الله. فقال الرسول: «بخ يا أبا طلحة! ذاك مال رابح، قبلناه منك، ورددناه عليك، فاجعله في الأقربين»[1478].