وليكن النظر فيها من خلال استكناه جوهرها الخالص، على ضوء طبائع الوقائع، وسجايا الأشخاص. * * * فأمّا «الصُّدفة» التي جمعت في اللحظة الحاسمة بين عمر وفاطمة، عند باب أبي بكر، على حديث، فإنّها أندر من أن تقع بين شخصَيْها هذين في واقع الظروف التي كانت قائمة آنذاك. إنّها أولى بأن تتبدّى كلقاء مقحوم، أبعد من أن تكون رواية محقّق، يقف على أرض صلبة من حقائق الأحداث، أدنى إلى أن تُحسب كشطحة قصّاص، بل كأنّها نوع من «الحبكة الفنية» التي يتوخّاها كلّ يراع مُفتن، وخيال خلاّق، ليجعل ما يحكي أعظم إثارة، وأقدر على الاستهواء، وأشدّ نعومة، لتتزحلق على سطوحها الملساء الانفعالات النفسية، المفتونة أبداً بالإهراع إلى كلّ غريب وعجيب! * * * وأمّا فاطمة فهي الأريبة اللبيبة، الجريئة القلب، الألمعية الذكاء، تقدّر فتحسن المعادلة كما تحسن المفاضلة والترجيح، وتنظر فتغوص بنظرها الثاقب في جواهر الأشخاص والأمور، فيها الفطنة، وفيها الحكمة، وراثة عن الرسول، لا هي حمقاء فتندفع بغير تحسّب، ولا هي خرقاء فتخدع من غرّة أو اغترار، وما لا تدركه بسرعة لمح العقل، حريّ به أن تدركه بصفاء الروح وملكة الاستشفاف. فكيف إذاً تفرّط في «صكّ» الملكية الذي سجّله لها الخليفة الشيخ، مختوماً واجب النفاذ؟ ولماذا تدفعه ـ طائعة مختارة ـ إلى ابن الخطّاب ما أن يطلبه منها، دون أن تترّدد وترتاب؟ وما حاجته إليه ما دامت قد أعلمته فحواه؟ أم قد نسيت أنّ عمر كان أميل الناس