بإرهاب غلاّب[1284]، يحطّم ثقتهم، ويهزّ كبرياءهم، ويهوي بغلواء طغواهم، فإذا هم ـ بتعبيرنا المعاصر الدارج ـ في «الحجم» الطبيعي الذي ينبغي أن يكونوا فيه. أم يحسب حاسب أنّهم أمنع على الله وأشد شكيمةً من صاحب اليمن، وكسرى فارس، وقيصر الروم؟ أم هم أعظم قوةً، وأصلب أيداً من كلّ تلكم القدرات الطاغية التي كان دأبها الدائب ضرب الإسلام، وتفتيت كيانه، فإذا عالم الغيب والشهادة الجبّار ذو البطش يملي لهم بعض إملاء، ثم يمزّقهم شرّ ممزّق، ويقتلع بنيانهم من الأُصول؟ في الأُولى ـ يوم الإسراء ـ يقع الإنكار. تقول أُم هانئ بنت أبي طالب عن ليلة الإسراء: إنّ رسول الله نام عندي تلك الليلة، في بيتي، فصلّى العشاء الآخرة، ثم نام ونمنا ... فلمّا كان قبيل الفجر، أهبّنا رسول الله ... فلمّا صلّى الصبح، وصلّينا معه، قال: «يا أُم هانئ، لقد صلّيت معكم العشاء الآخرة، كما رأيت، بهذا الوادي، ثم جئت بيت المقدس فصلّيت فيه، ثم صلّيت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين ...». تقول السيدة: فقلت له: يا نبي الله، لا تحدّث به الناس فيكذّبوك ويؤذوك. قال: «والله لأُحدّثنهموه». وحدّثهم فكذّبوه! وقال كثيرون: إنّ العير لتطرد[1285] شهراً من مكّة إلى الشام مدبرة، وشهراً مقبلة، أفيذهب محمد ويرجع في ليلة واحدة!! وفي الثانية ـ يوم الخندق ـ لا تهتزّ العقيدة. يقول المنافقون: بل قد أنذرهم قبل أن يحم فيهم القضاء. ضرب لهم مثلاً للفئة القليلة الصابرة كيف تغلب الكثرة، وللصغير الضعيف كيف يقضي على الكبير العملاق، وكيف تخالف الحوادث اطراد ظروفها المنطيق، فتأتي