اللوحة الثالثة ربح البيع الذي وقع للرسول في ثقيف كان اختباراً عسيراً للمسلمين في شخص نبيّهم، ليبلو ثباتهم على الإيمان، ويعجم[722] عودهم في الحقّ أن يلين. وهو إيماءة قدسية من الله سبحانه، ومثل يضربه للناس أنّ محمداً إن هو إلاَّ بشر، العمل الصالح في يده وديعة، له عليه حقّ الأداء، ولها حقّ الوفاء ... مثله في هذا كمثل أيّ قائم بأمر، موكل بدعوة، داع لفكرة، لا معدىً له عن أن يخلص بجهده وكدّه لسعيه بعزيمة وتصميم، وقد يصيبه الفشل مرّة، ويصيب النجاح مرّة، ثم لا تكون ثمرة دأبه على عمله إلاَّ بقدر جدّه وبذله. ولقد شاعت قصة الطائف في مكّة، بعد أن آب إليها رسول الله، فإذا هي أُحدوثة لأهل الشرك يتندّرون بها في محافلهم هزؤاً وشماتة. بل لقد سبقته وما همّ بأن يضع قدماً على ثرى البلدة الحرام، فكانت للمشركين مجازاً جديداً إلى الاشتداد في التنكّر له والتهجّم عليه، شدّة مفلوتة العيار. فكأنّما الذي هجس بخاطر زيد بن حارثة قد تجسّد حقيقةً ظاهرةً، جليّة الهيئة والجرس للعيون والآذان.