اللوحة الأُولى هل الصخر يخضرّ ودّت فاطمة لو اهتدى القوم إلى الحقّ بعد أن تبيّنت لهم آياته مضيئة مسفرة أمام لمح الأعين، فضلاً عن رأي العقول وحسّ الألباب. ولقد كان أكثر توقها إلى إيمان آل أبيها وآل أُمها الأدنين، لا عن انعطاف منها للقربى، بل عن ثقة بأنّهم ذوو إدراك وقدرة على التبصّر ووزن الأمور. ففيهم أصحاب المكانات والأقدار، وفيهم قادة الرأي، وفيهم الشعراء وأصحاب التفوّق في ضروب البيان والبلاغة، الجديرون بأن تهديهم معارفهم إلى الغوص في حِكَم القرآن، وإلى تذوّق حلاوته، فلا يفوتهم ـ وما ينبغي ـ حسن التقدير. وما كانت رغبتها هذه ناجمة فقط عن حبٍّ لأبيها، أو برّاً به، وخشيةً عليه أن يصيبه منهم أذىً يضيف إلى ما أصابه وما يعانيه، بل كانت أيضاً وليدة لهفة عليهم ومن اتّبعوهم أن يثيبهم الله جزاء الجحود والكفران. فلم تعد الآن تُصدر عن عاطفة في حكمها على الناس والأُمور بقدر ما تصدر عن رويّة وتفكير. الطفلة الصغيرة في إهابها نمت وأصبحت فتاةً، خطت خطوات طويلة في العشرة الثانية من عمرها النضير، بلغت النضج الفكري، وزادها ربّها فيه بسطةً بما اختصّها به من إشراق شعوريّ يشارف الإلهام.