لرفاق كفره أنّه ما زال حليف الطاغوت! وعلمت أيضاً كيف فار مرّةً في صدره حقده على أبيها فور التنوّر، فأخذ بمجمع ردائه يلويه حول رقبته ليّاً شديداً، ويعصرها عصراً، ومن حوله زبانية الشرك يجرّون الرسول جرّاً من رأسه ولحيته، وليس فيهم رجل رشيد به أثارة من إنسانية تحول بينهم وبين محمد أن يقتلوه! وكم من هذا كثير! * * * ولو ضاهى[645] امرؤ بينه وبين خَدين[646] شقوته أبي جهل، إذن لسلكهما في رَسَن[647]، كما تُسلك بهيمتان في عنان لجرّ عربة أثقلتها الأقذار، ليس يقوى على جرّها قطيع كبير من البغال والحمير! فليس أشدّ في أذى الرسول من أبي الحكم بن هشام إلاَّ عقبة بن أبي معيط ... وليس أشدّ من عقبة بن أبي معيط من أبي الحكم بن هشام. وإذا كان السفه والخرق والعتوّ هي بعض ما تخلّقا به، وبزّا الأقران من السفلة الأوغاد، فلقد أبت الخسّة على أبي جهل إلاَّ أن يكون فرس الرهان المجلّي بين الأدنياء السفهاء. فلقد كسر كلّ الأعراف التي يرعاها بنو مجتمعه، سواء منهم الأحرار والعبيد، الأخيار والأشرار، أصحاب الشمم والعلوّ وأصحاب الحضيض والسفَال[648]. انسلخ من آدميته، نضا[649] عن نفسه رجولة الرجال.