ذكر أحدهم أنّ قس بن ساعدة خطب من شهدوا عكاظ يومئذ خطاباً عجباً، قال فيه: أيها الناس، اسمعوا وعوا، فإذا وعيتم فانتفعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكلّ ما هو آت آت، إنّ في السماء لخبرا، وإنّ في الأرض لعبرا، مهاد موضوع، وسقف مرفوع ونجوم تمور وبحار لا تفور، أقسم قس قسماً حاتماً، لا حانثاً فيه ولا آثماً: إنّ لله ديناً هو أحبّ إليه من دينكم الذي أنتم عليه، ونبيّاً قد حان حينه، وأظلّكم زمانه ـ قيل: وأشار بيده إلى نحو مكة ـ فطوبى لمن آمن به فهداه، وويل لمن خالفه وعصاه. ومضى في خطابه، فكان ممّا قاله: ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون، أَرَضُوا بالمقام فأقاموا، أم تُركوا هناك فناموا؟ ثم سألهم الرسول: «فأيّكم يروي قوله؟». فأنشدوه: في الذاهبينَ الأَوّلينَ *** من القُرون لنا بصَائِرْ لما رأيتُ موارداً *** للموت ليسَ لَها مَصَادرْ ورأيتُ قَومي نحوها *** تَسعَى الأَصاغر والأَكابرْ لا يرجِعُ الماضي إليَّ *** ولا من الباقينَ غَابِرْ أَيقنتُ أنّي لا محالةَ *** حَيثُ صارَ القومُ صائرْ[465]