فعلوه مع السيدة نفيسة بنت سيدي حسن الأنور، التي جاءت إلى مصر في الخامس والعشرين من رمضان عام 193 هـ ، تلقتها نساء مصر ورجالها بالهوادج والخيول، رافعين المصاحف عند العريش، مكبّرين مهلّلين، فرحين مستبشرين بتلك اللؤلؤة المباركة التي ستضاف إلى عقد لآلئ آل البيت في مصر. وحين فكّرت السيدة نفيسة في العودة إلى المدينة المنورة، فإن أهل مصر لم يتركوها، وتكاثروا عليها من كلّ فجّ وفي كل وقت يرجون بركتها، وأسقط في يدهم حتّى أنّهم ذهبوا إلى الوالي; كي يتشفّع لهم ويرجو السيدة نفيسة البقاء. وقيل على لسان السيدة نفيسة: إنّ سبب تفكيرها في العودة إلى المدينة المنوّرة هو كما قالت: «إنّي كنت قد اعتزمت البقاء عندكم، غير أنّي امرأة ضعيفة، وقد تكاثر الناس حولي، فشغلوني عن أورادي، وجمع زادي»[76]. وما فعله أهل مصر مع لالئ آل بيت النبوة فعلوه أيضاً مع تلك الرؤوس الشريفة، التي بذلوا من أجلها الغالي والنفيس لنقلها أو دفنها في مصر. فعلوا ذلك مع رأس الإمام الحسين بن علي. وكذلك مع رأس سيدي زيد بن زين العابدين، ورأس سيدي إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي. * * * أمّا رأس كلٍّ من سيدي زيد بن علي زين العابدين، وسيدي إبراهيم بن عبدالله فقد جازف المصريون أيام الأمويّين وأيام العباسيّين على التوالي، وسرقوا الرأسين من المسجد الجامع ـ جامع عمرو ـ لكي يدفنوهما، ليصبحا مزارات، رغم أنّ التشيّع لآل البيت كان في أيام دولة الأمويّين، وفي فترات كثيرة في زمن العباسيّين جريمة لا تُغتفر، فرأس سيدي زيد دُفن بالفسطاط، ورأس سيدي إبراهيم دُفن بالمطرية[77].