بتلك الأضرحة والمشاهد الحقيقية، وإنّما بنوا عشرات ومئات من أضرحة أو مشاهد الرؤيا[72]. إذا كانت القاهرة ـ خاصّةً القديمة منها ـ تُعرف بمدينة الألف مئذنة، فإنّ ما على جغرافية أرضها من قباب ومشاهد يفوق العدد والحصر، ولاشكّ أنّ هذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ مصر أرض الإيمان، وأنّ أهل مصر منذ أن ارتفعت الراية الخضراء في سمائها، اختاروا الإسلام عن صدق ويقين واقتناع. آمن المصريون برسالة محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله) وتحمّسوا للدين، بل أنّهم قد انغمسوا فيما وقع من أحداث مصيرية، ولا أكون متجاوزاً أو مبالغاً إذا قلت: إنّ أهل مصر كانوا من صنّاع السياسة في صدر الدولة العربية الإسلامية وما بعد ذلك من قرون. وقد كان تحمّس أهل مصر للنبي الكريم (صلى الله عليه وآله) ولدعوته، ولآل بيته، تحمّساً يدعو إلى الفخر ما يدعو إلى التساؤل. والذين يتساءلون لهم بعض العذر من تساؤلهم; لأنّهم ليس لهم رؤية شاملة بالنسبة لمصر بالذات، وبالنسبة لتاريخها الإيماني والعقائدي، حتّى من قبل الإسلام، بل إنّ ـ وهذا ثابت تاريخياً ـ الذين ليس لهم رؤية بالنسبة للمصريّين، ليس لهم هذه الرؤيا أيضاً بالنسبة للفرس، حول سرّ تحمّس أهل فارس لآل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله). والإجابة التي يمكن أن نعطيها بالنسبة لمصر هي نفس الإجابة لفارس! فأهل الحضارات والمعتقدات القديمة كان تحمّسهم وتشيّعهم رائعاً للدين الجديد ولآل البيت. وطبعاً، إنّ تشيّع المصريين يختلف بعض الشيء عن تشيّع الفرس!