أظننت يا يزيد! أنّه حين أُخذ علينا بأطراف الأرض وأكناف السماء، فأصبحنا نُساق كما تُساق الأسارى، أنّ بنا هواناً على الله، وأنّ بك عليه كرامة؟ وتوهّمت أنّ هذا العظيم خطرك، فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفيك جذلان فرحاً، حين رأيت الدنيا مستوسقة لك، والأُمور متّسقة عليك؟ إنّ الله إن أمهلك فهو قوله: (وَلاَيَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لاَِنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) ]آل عمران: 178[. أمن العدل يا بن الطُلقاء تخديرك بناتك وإمائك، وسوقك بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله)كالأُسارى؟! قد هُتكت ستورهنّ، وأصحلت أصواتهنّ، مكتئبات تجري بهنّ الأباعر، وتحدو بهن الأعادي، من بلد إلى بلد، لايراقبن ولايؤوين، يتشوّفهنّ القريب والبعيد، ليس معهنّ قريب من رجالهن! وكيف يستبطأ في بغضتنا من نظر إلينا بالشنق والشنان، والأحن والأضغان؟ أتقول: ليت أشياخي ببدر شهدوا؟! غير متأثّم ولا مستعظم، وأنت تنكث ثنايا أبي عبدالله بمخصرتك؟! ولم لاتكون كذلك وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأفة بإهراقك هذه الدماء الطاهرة، دماء نجوم الأرض من آل عبدالمطلب، ولتردن على الله وشيكاً موردهم، وعند ذلك تودّ لو كنت أبكم أعمى وأنّك لم تقل: لأهلّوا واستهلّوا فرحاً.. اللّهم خذ بحقّنا، وانتقم لنا ممّن ظلمنا. يا يزيد، والله ما فريت إلاّ في جلدك، ولاحززت إلاّ في لحمك، سترد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) برغمك، ولتجدن عترته ولحمته من حوله في حظيرة القدس يوم يجمع الله شملهم من الشعث: (وَلاَتَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) ]آل عمران: 169[. وستعلم أنت ومن بوّأك ومكّنك من رقاب المؤمنين، إذا كان الحكم ربّنا، والخصم جدّنا، وجوارحك شاهدة عليك، فبئس للظالمين بدلاً! هنالك تعلم أيّنا شرّ مكاناً وأضعف جنداً! مع أنّي والله أستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، غير أنّ العيون عبرى، والصدور حرّى، وما يجزي ذلك أو يغني وقد قُتل أخي الحسين.