عزّ وجلّ، وإنّي لاأرى الحياة مع الظالمين إلاّ جرماً». ويتحرّك الشهيد ابن الشهيد نحو الكوفة، وجنبات مكّة لم تنس بعد جدّه النبي وصوته الشريف: «والله يا عمّ، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر، ما تركته أو أهلك دونه!»[297]. ويأتيه من يخبره بمقتل مسلم ورسوله الآخر، وتخاذل الكوفة: «أمّا أشراف الناس فقد أُعظمت رشوتهم، وملئت غرائرهم، فهم قلب واحد عليك، وأمّا سائر الناس بعدهم، فإنّ قلوبهم تهوى إليك، وسيوفهم غداً مشهورة عليك!»[298]. وما يلبث أن يبعث ابن زياد بألف فارس مع الحرّ بن يزيد التميمي; ليحاصره في الطريق، ويقطع عليه خطّ الرجعة حتّى يأخذه معتقلاً إلى ابن زياد، أو يخضع بالبيعة الجبرية ليزيد! ويواجههم الحسين خطيباً بالمعروف يستحثّ ضمائرهم: «أيّها الناس، إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاًّ لحُرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يعمل في العباد بالإثم والعدوان، فلم يغيّر ما عليه بفعل ولا قول، كان حقّاً على الشيطان أن يدخله مدخله! ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله... وقد أتتني كتبكم ورسلكم ببيعتكم، وأنّكم لاتسلّموني ولاتخذلوني، فإن أقمتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم، وأنا الحسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول الله... نفسي من نفسكم، وأهلي من أهلكم... فإن لم تفعلوا ونقضتم عهدي، وخلعتم بيعتي، فلعمري... لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم بن عقيل، والمغرور من اغترّ بكم!».