فصحيح أنّ لأبناء علي (عليه السلام) شأوناً كبيراً، وصحيح أنّ أحداً غيرهم عجز أن يبلغ ما بلغوه من سموّ ورفعة، وجلالة وتقدير جماهيري واسع، ولكن الصحيح أيضاً أنّهم لم يدركوا هذا المقام السامي إلاّ بتوافرهم على الورع والتقوى، والعلم والشجاعة والخلق الحميد! فهم لم يكتسبوا تقديس الناس وتجليلهم بسبب نسبهم الشريف فحسب، بل بما بذلوه من جهود في ترويض نفوسهم، وتهذيبها من كلّ علائق الدنيا الدنية. إذ هم يجالسون العلماء والحكّام، يقعدون مع الفقراء ويأكلون مع المساكين أيضاً. وإذ هم يهدون الناس إلى النور، ويمسحون عنهم غبار الجهل، تراهم يمدّون المحتاجين بما يقدرون عليه، ولم يحتفظوا لأنفسهم شيئاً سوى القليل! وهكذا برزوا مصاديق حيّة للشريعة المعطاءة، ومشاعل نيّرة تضيء درب المحرومين. والتاريخ خير شاهد على ذلك، حيث يؤكّد على الدور الكبير الذي لعبه أبناء علي في نشر مفاهيم الدين الصحيحة في ربوع الأرض الإسلامية، وترويج الثقافة السليمة حيثما حلّوا، وأينما نزلوا. وليس هذا الكلام ينطبق على الأجداد العظام الذين ضمّوا جملة معان رفيعة في أدقّ تفاصيل حياتهم، وجسّدوا أوامر الشريعة، بل ينسحب إلى أبنائهم وأحفادهم، فضلاً عن حواريّهم وتلاميذهم، حتّى صاروا يمثّلونهم في المحافل المختلفة. وإذا ما تأمّلت الأمة مواقف الأحفاد ـ فضلاً عن الأبناء ـ تجده امتداداً حقيقياً لسلوك ومواقف جدّهم الأعلى: علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي كان يعدّ أحد أبرز وأعظم وأهمّ تلاميذ وحواريّي الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وبالتالي سوف تعود الأمة إلى وعيها الذي كادت تفقده، وترجع إلى تراثها الذي أهملته، فتستمدّ منه أروع الدروس والعبر من أجل بناء حياة أفضل لأجيالها المتلاحقة. مدرسة وثقافة تقريبية إنّ من يطالع سيرة أيّ فرد من أفراد هذا البيت الشريف، وفي أيّ بقعة من بقاع الدنيا