وقبل أن يستأنف كلامه، وثب إليه عبدالله بن عفيف الأزدي، وكان ضريراً قد ذهبت إحدى عينيه يوم الجمل مع الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وذهبت الأخرى بصفّين معه أيضاً، وكان لا يفارق المسجد يصلّي فيه الليل ثم ينصرف. فلمّا سمع مقالة اللعين ابن زياد، قال: يا بن مرجانة! إنّ الكذّاب ابن الكذّاب أنت وأبوك والذي ولاّك وأبوه، يا بن مرجانة! أتقتلون أبناء النبيّين وتتكلّمون بكلام الصدّيقين؟! فقال ابن زياد: عليَّ به. فأخذوه، فنادى بشعار الأزد: «يا مبرور!» فوثب إليه فتية من الأزد فانتزعوه من أيدي الجلاوزة، وأتوا به أهله ومنزله. فقال ابن زياد: إليَّ أعمى الأزد، أعمى الله قلبه، فأتوني به. فلمّا بلغ الأزد ذلك، اجتمعوا وقبائل اليمن معهم، فبلغ ذلك ابن زياد، فجمع قبائل مصر وضمّهم إلى ابن الأشعث وأمر بالقتال، فاقتتلوا حتّى وصل أصحاب ابن زياد عليه اللعنة إلى دار عبدالله بن عفيف الأزدي، فكسروا الباب واقتحموا عليه، فصاحت ابنته: أتاك القوم من حيث تحذر، فقال: لا عليك، ناوليني سيفي، فناولته، فجعل يذبّ عن نفسه ويقول: كم دارع من جمعكم وحاسر فقالت ابنته: يا ليتني كنت رجلاً أخاصم بين يديك هؤلاء الفَجَرة، قاتلي العترة البرَرَة. والقوم محدقون به، كلّما جاءوه من جهة أشعرته ابنته، وهو يذبّ عن نفسه ويقول: أقسم لو فرج لي عن بصري *** ضاق عليكم موردي ومصدري فتكاثروا عليه فأخذوه، فقالت ابنته: واذلاّه! يُحاط بأبي وليس له ناصر.