الأخلاق إلى مشارق الأرض ومغاربها، وبفضل علمائها انتشرت روحانية الإسلام في أقطار الأرض، واهتدت الأمة الإسلامية إلى ما فيه مصلحتها. وهكذا أخذ المهتدون سمتهم في طريق الحياة الخالدة، مهتدين بنوابغ أعلامها الذين شقّوا منها الصالح في وسط المشاكل المدلهمَّة والظلمات المتكاثفة، وتوالت الأيّام على هذه الأمّة، وهي تستنير بشموسها وأقمارها ونجومها السواطع، فتنسج على منوالهم، وتعوذ بهم في الطوارئ. وغير خفيٍّ عليكم ـ أيّها السادة ـ أنَّ بغداد كانت عاصمة الثقافة والعلوم في الشرق كلّه، بل في العالم ردحاً من الزمن، وبعد سقوطها وضياع ذخائرها العلمية اضطلع معهدان بحمل عبء المعارف الإسلامية والعلوم الدينية في الشرق، فصار كلٌّ منهما المثابة الأخيرة والقبلة التي يؤمّها طلاّب العلم من جميع الأقطار: الأوّل: معهد النجف الأشرف في العراق. وقد أسسّه الطوسي شيخ الطائفة الإمامية، وكان ـ ولايزال ـ نبراساً تستضيء بنوره الاُمم الإسلامية، ومنبعاً غزيراً للعلوم الدينية والفلسفية والعربية، والفنون الأدبية واللغويّة منذ عشرة قرون تقريباً. والثاني: معهد الأزهر الشريف في مصر الذي حمل تلك الأمانة أحقاباً طوالاً في الشرق العربي. وكان هدف هذين المعهدين العلميين الدينيين واحداً، وكان مؤسسّاهما من الشيعة، فهل نريد للشيعة مأثرة أعظم منهما؟ وهما وإن افترقا في الخطّة بعد حين، ولكنّهما احتفظا على بثِّ الثقافة الإسلامية والعربية حتى الآن. ويمتاز معهد النجف الأشرف بما وصفه الأستاذ الأكبر، وهو أنَّ العلم فيه مقصد وغاية، لا وسيلة، ومحبوب مطلوب لذاته لا لغيره، ومرغوب فيه لذاته. ويمتاز أيضاً بغزارة موادّ الدراسة فيه من أنواع العلوم والفلسفة، كما أنَّ معهد الأزهر الشريف ممتاز بحسن النظام، وجودة المناهج. ويسرَّني أنْ اُصرِّح بأنَّ ما شاهدته في الأزهر من أقسامه الحديثة، إلى كلياته، إلى أقسامه الابتدائية، إلى إداراته من آثار الإصلاح العلمي، والنظام الحديث،