الصراط وجادة الحقّ. ثمّ بعد بيان الأهداف يشرع الله تعالى ببيان الوسائل التي تمهّد للوصول إليها، وهي الدعوة للبشر إلى إتّباع سبيل الله في الحياة ليفوزوا الفوز المبين في الدنيا والآخرة، إلاّ إنّ تلك الدعوة إلى الخير التي حملها الأنبياء (عليهم السلام) عبر التاريخ كانت تصطدم على الدوام بالقوى المسيطرة التي تتحكّم بحركة المجتمع وتمسك بزمام الأُمور فيه، تلك القوى التي غالباً ما تكون بعيدة عن التعامل العقلاني الواقعي. لأنّ أطماعها ومصالحها هذه ببقاء النمط الجاهلي هي التي تؤدّي إلى عدم الرضوخ لإرادة التغيير التي حملها الأنبياء والمصلحون والأولياء، ولهذا نرى القرآن يصرّح أنّ أمثال هؤلاء كانوا يقفون دائماً كالسدّ المنيع في وجه الإصلاح على مستوى الفرد أو المجتمع، كما في الآية الكريمة: (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنّكم من أرضنا أو لتعودنّ في ملّتنا فأوحى إليهم ربّهم لنهلكنّ الظالمين) »[3]. والوسائل التي بيّنها الله تعالى لنا للوصول إلى الأهداف المرجوة تبدأ من الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة بادئ الأمر; لأنّ الحجّة والإقناع هما السبيلان الطبيعيان لإيصال الفكرة إلى الآخرين، وكما قال الله (عزّ وجلّ): (ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة) أو قوله تعالى: (وجادلهم بالتي هي أحسن) [4]. إلاّ أنّ هذه الوسيلة لم تكن تجد الآذان الصاغية عند الفئات المستكبرة التي تملك زمام الأُمور في مجتمعاتها آنذاك، ولهذا أمر الله سبحانه بوسيلة أُخرى، وهي الجهاد والقتال ضدّ أُولئك الذين يقفون في طريق هداية الناس وإرشادهم; لكسر حواجز الخوف والقلق التي تسيطر على المستضعفين من عباد الله الرازحين تحت سلطة القوى الظالمة المستكبرة. هذه القضية: (الجهاد في سبيل الله) قد خصّها الله تعالى بحيّز كبير في كتابه