عليهم ولا هم يحزنون؟ قال عيسى: «الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، والذين نظروا إلى أجل الآخرة حين نظر الناس إلى عاجلها، فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم، وتركوا ما علموا أن سيتركهم، فصار استكثارهم منها استقلالاً، وذكرهم إيّاها فواتاً، وفرحهم بما أصابوا منها حزناً. فما عارضهم من نائلها رفضوه، وما عارضهم من رفعتها لغير الحقّ وضعوه. خلقت الدنيا عندهم. فليسوا يجدّدونها، وخربت بينم فليسوا يعمّرونها، وماتت في صدورهم فليسوا يحيونها. يهدمونها فيبنون بها آخرتهم، ويبيعونها فيشرون بها ما بقي لهم. رفضوها فكانوا برفضها فرحين، وباعوها فكانوا ببيعها رابحين. ونظروا إلى أهلها صرعى قد خلت فيهم المثلات، فأحبّوا ذكر الموت، وأماتوا ذكر الحياة. يحبّون الله، ويحبّون ذكره، ويستضيئون بنوره. لهم خبر عجيب، وعندهم الخبر العجيب، بهم قام الكتاب، وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب، وبه نطقوا، وبهم علم الكتاب، وبه علموا، ليس يرون نائلاً مع ما نالوا، ولا أماناً دون ما يرجون، ولا خوفاً دون ما يجدون».[445] 361 ـ داود بن أبي هند وحميد، قالا: بينما عيسى جالس وشيخ يعمل بمسحاته يثير بها الأرض، فقال عيسى: «اللهمّ، انزع منه الأمل». فوضع الشيخ المسحاة واضطجع، فلبث ساعة، فقال عيسى: «اللهمّ، اردد إليه الأمل»، فقام فجعل يعمل، فقال له عيسى: «ما لك، بينما أنت تعمل ألقيت مسحاتك واضطجعت ساعة، ثمّ إنّك قمت بعد تعمل»؟ فقال الشيخ: بينا أنا أعمل، إذ قالت لي نفسي: إلى متى تعمل وأنت شيخ كبير؟! فألقيت المسحاة واضطجعت، ثمّ قالت لي نفسي: والله، ما بدّ لك من عيش ما بقيت، فقمت إلى مسحاتي».[446] 362 ـ إبراهيم التيمي، قال: لقي عيسى بن مريم رجلاً، فقال: «ما تصنع؟» قال: