من دون الله إلاّ خرّ لوجهه، ففزعت لذلك الشياطين، واجتمعوا إلى ابليس، فأخبروه، فركب فإذا عيسى في مهده، فأراده، فحال الله بينه وبينه وملائكته. فقال له إبليس: أتعرفني؟ قال: «نعم، أنت إبليس». قال: صدقت. قال: أما إنّي ما جئتك تصديقاً بك، ولكن رحمتك ورحمت أُمّك لما قالت بنو إسرائيل فيها، فلو أمرت أُمّك فجعلتك على شاهقة من الجبل ثمّ طرحتك، فإنّ ربّك وملائكته لم يكن ليسلمك ولا ليكسرك! فقال عيسى: «يا قديم، إنّما أفعل ما يأمرني ربّي، وإنّي أُريد أن أعرف كرامتي عند الله عزّ وجلّ».[406] 322 ـ ابن عبّاس (رضي الله عنه) في حديث قال: لمّا بعث الله عيسى (عليه السلام)، ورأى منزلته من ربّه، وعلّمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى، وينبّئهم بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم، قال: «اللهمّ، إنّك ربّ عظيم، لو شئت أن تطاع لأُطعت، ولو شئت أن لا تعصى ما عصيت، وأنت تحبّ أن تطاع وأنت في ذلك تعصى، فكيف هذا يا رب»؟ فأوحى الله إليه: «إني لا أُسأل عمّا أفعل وهم يُسئلون. وأنت عبدي ورسولي وكلمتي، ألقيتك إلى مريم، وروح منّي، خلقتك من تراب، ثمّ قلت لك: كن، فكنت إذا لم تنتهِ لأفعلنّ بك كما فعلت بصاحبك بين يديك. إنّي لا أُسأل عمّا أفعل وهم يُسئلون». فجمع عيسى (عليه السلام) تبعته، فقال: «القدر سرّ الله، فلا تكلّفوه».[407] 323 ـ أبو ثمامة، قال: قال الحواريون: يا عيسى، ما الإخلاص لله؟ قال: «أن يعمل الرجل العمل لا يحبّ أن يحمده عليه أحد من الناس، والمناصح لله الذي يبدأ بحقّ الله قبل حقّ الناس، يؤثر حقّ الله على حقّ الناس، وإذا عرض أمران: أحدهما للدنيا، والآخر للآخرة، بدأ بأمر الآخرة قبل أمر الدنيا».[408]