مودّتهم وولايتهم عليها، وجعلها الأجر على إبلاغ رسالته. والمتتبّع لفصول الكتاب يجده دراسة جديرة بالاهتمام والمطالعة في هذا الباب، قد بذل كاتبها جهداً علمياً وفكرياً هادفاً لأجل بيان بعض مقوّمات الشخصية المثلى التي يتمتّع بها أفراد أهل البيت، وكاشفاً ـ في الوقت نفسه ـ عن حجم وثقل موقعهم في الأمة على كافة الأصعدة. إنّ التعرّض إلى ترجمة إحدى الأسماء اللامعة من أبناء هذا البيت بحثاً وتعريفاً، وما شغلته من موقع في التاريخ، إنّما يضمّ جملة معان سامية وهادفة في هذا السبيل، لا ينفكّ عن كونه دراسةً في حياة أهل البيت، وبحثاً في مناقبهم وفضائلهم الجليلة، وغير بعيد أن يكون بحثاً عقائدياً وتاريخياً بالجملة. وهذا ما تصدّى إليه المؤلّف في القسم الثاني من كتابه هذا. والثاني: سيرة السيدة نفيسة الدارين وعلمها، وأخلاقها، وعبادتها، وتعاملها مع الناس وعلاقتهم بها. ولاشكّ أنّ من يتأمّل حياة وسيرة هذه المرأة العظيمة تستفيق أمامه كلّ لحظات الأمل المترشحة عن تعقيدات وضع الأمة الحالي، لتعود إلى وعيها وتراثها فتستمدّ منه أروع ما خلّفه أبناء هذا البيت الكريم من سلوك وأخلاق، ودرر من الحكمة والمعرفة، ومنهج في الدفاع عن الحقّ والحقيقة أثار دهشة التاريخ وإعجابه به. فإنّنا لو كنّا إزاء دراسة حياة شخص أو أشخاص آخرين من غير هذا البيت، لاستطعنا بكل يسر أن نفصل الموقف العلمي أو الأدبي الهادف عن كلّ المواقف الأُخرى من فردية أو اجتماعية، ولتمكّنا بسهولة أن نتصدّى بحثاً ودراسة للجانب الذي أبدع فيه هذا الشخص أو ذاك، وما قدّم من مواقف خلاّقة تجاهه، بحيث صار تراثاً خالداً له يشير إلى عمق رؤيته. أما وإنّا نحاول دراسة حياة أُناس تعدّ كل جنبة من جنبات حياتهم قدوة حسنة، وكلّ سلوك مارسوه منهجاً صالحاً ومنظّماً وفق قواعد شرعية وتعليمات ربّانية، ويعتبر كل موقف أدبي أو علمي أو تعاملي أبدوه جزءاً من أوامر السماء ونواهيها، بل كلّ لفظة تشكّل حلقة من حلقات الهداية للبشرية جمعاء. وقد امتدّ هذا السلوك الذي اتّخذ طابعاً منهجياً منظماً وسامياً إلى أبنائهم وأحفادهم فضلا عن تلاميذهم وتابعيهم، بل بلغ بالأبناء ثم الأحفاد أن صاروا يمثّلون آباءهم وأجدادهم في المحافل المختلفة، ويعيدون تلك السلوك والمواقف جميعاً، ثم يعزون كل تلك التصرّفات