وكذا زيد بن علىّ رضي الله عنهما من أُم ولد. وقد دخل على هشام بن عبد الملك، فقال له هشام: بلغني أنّك تحدّث نفسك بالخلافة، ولا تصلح لها لأنّك ابن أَمة، فقال له: أمّا قولك: إنّي أُحدّث نفسي بالخلافة، فلا يعلم الغيب إلاّ الله تعالى، وأمّا قولك: إنّي ابن أمَة، فإسماعيل ابن أمة، أخرج الله من صلبه خير البشر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإسحاق ابن حرّة أخرج من صلبه القردة والخنازير، فقال له: قم، فقال: إذن لا تراني إلاّ حيث تكره، فلمّا خرج من الدار قال: ما أحبّ أحد الحياة إلاّ ذلّ، فقال سالم مولى هشام: بالله لا يسمعنّ هذا الكلام منك أحد([122]). وقد كان زيد(رضي الله عنه) من أحسن بني هاشم عبادة، وأجلّهم سيادة، وكانت ملوك بني أُميّة تكتب إلى صاحب العراق: أن امنع أهل الكوفة من حضور مجلس زيد بن علي، فإنّ له لساناً أقطع من ظبّة السيف، وأحدّ من شبا الأسنّة، وأبلغ من السحر والكهانة ومن النفث في العقد([123]). وقال الشعبي: والله ما ولدت النساء أفضل من زيد بن علىّ، ولا أفقه ولا أشجع ولا أزهد([124]). وقال أبو حنيفة: شاهدت زيد بن علي كما شاهدت أهله، فما رأيت في زمانه أفقه منه ولا أعلم، ولا أسرع جواباً، ولا أبْيَن قولا، لقد كان منقطع النظير، وكان يُدعى بحليف القرآن، قرأ مرّة قوله تعالى:(وإن تتولّوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) فقال: إنّ هذا لوعيد وتهديد من الله تعالى، ثم قال: اللّهمّ لا تجعلنا ممّن تولّى عنك فاستبدلت به بديلا...([125])