على زيارتها في حياتها ملتمساً دعواتها، وبعد مماتها مستنزلا بركاتها، وكان فقيهاً عالماً، راجح المعرفة، جليل القدر في النظر، عارفاً بوجوه الكلام والجدل، وحسن البيان، مقدّماً في مذهب الشافعي وقوله وحفظه وإتقانه، وله كتب كثيرة في مذهب إمامه، انتشرت في أقطار الأرض شرقاً وغرباً، وكان تقيّاً ورعاً صبوراً، وكان مجاب الدعوة، وقال الإمام الشافعي عنه: المزني ناصر مذهبي. * وحرملة بن يحيى التجيبي([471])، ويكنّى أبا حفص، ويقال: إنّ الإمام الشافعي نزل عنده، هو أيضاً من زائريها في حياتها، وزائري مقامها بعد موتها، وكان جليلا نبيل القدر. وقد روى عن الشافعي من الكتب ما لم يروه الربيع، منها: كتاب الشروط، وكتاب السنن وغيرهما، وكان إماماً حافظاً للحديث والفقه. وكذلك ممّن أوفى لها في حياتها وبعد موتها، طالباً دعواتها، وراجياً بركاتها: * أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي([472])، وكان كبير السنّ، جليل القدر، استخلفه الشافعي في حلقته، وكان يقول: ليس أحد أحقّ بمجلسي من أبي يعقوب، وليس أحد من أصحابي أعلم منه. وكان عالماً فقيهاً لطيفاً في أسبابه، يدني الغرباء ويقرّبهم إذا قدموا للطلب، ويعرّفهم فضل الشافعي وفضل كتبه، حتى كثر الطالبون لمذهبه وكتبه، وكان ابن أبي الليث الحنفي ـ قاضي مصر ـ يحسده ويعاديه، فأخرجه في وقت المحنة في القرآن فيمن أخرج من أهل مصر إلى بغداد، لم يخرج من أصحاب الشافعي غيره، فحُمل إلى بغداد مع جماعة آخرين من العلماء، فأركبوه على بغلة مغلولا مسلسلا في أربعين رطلا من حديد، ويريدون بذلك منه القول بخلق القرآن، فأبى، فحبسوه في السجن ببغداد على تلك الحالة. وكان في كلّ جمعة يمشي إذا سمع النداء إلى باب السجن، فيقول له السجّان: إلى