* أبو سعيد سحنون ابن سعيد([466]) ; الفقيه المالكي، واسمه عبد السلام، وغلب عليه «سحنون» باسم طائر حديد النظر ; لحدّته في المسائل. وأصله من حمص، ورحل إلى مصر فسمع فيها من ابن القاسم وابن وهب وأشهب وغيرهم، وقد رحل كثيراً، وهو صاحب «المدوّنة» مفتي القيروان وقاضيه، وأولّ من أظهر علم المدينة بالمغرب، وقد اجتمعت فيه خصال قلّما اجتمعت في غيره، من فقه بارع، وورع صادق، وصرامة في الحقّ، وزهد في الدنيا، وخشونة في الملبس والمطعم، وسماحة في العطاء. وكان لا يقبل من أحد شيئاً، سلطاناً أم غيره، ولا يهاب سلطاناً في حقٍّ يقوله، سليم الصدر للمؤمنين، شديد على أهل البدع. انتشرت أمانته، وأجمع أهل عصره على تقدّمه وفضله، وكان مع هذا رقيق القلب، غزير الدمعة، ظاهر الخشوع، متواضعاً، قليل التصنّع، كريم الخلق، حسن الأدب، فكان سراج القيروان، وكان كلامه لله، وصمته لله، إذا أعجبه الكلام صمت، وإذا أعجبه الصمت تكلّم. وقد راوده الأمير أبو العباس أحمد بن الأغلب حولا كاملا على أن يولّيه القضاء، فأبى عليه، فعزم عليه بالأيمان التي لا يخرج منها، فلمّا رأى ذلك سحنون اشترط على الأمير شروطاً كثيرةً، فأعطاه كلّ ما سأل، وأطلق يده في كلّ ما دعاه إليه، حتّى قال له: إنّي أبدأ بأهل بيتك وقرابتك وأعوانك، فإنّ فيكم ظلامات للناس منذ زمان طويل، فقال له الأمير: نعم، لا تبتدئ إلاّ بهم، وأَجْرِ الحقّ على مفرق رأسي. فتولّى القضاء بهذه الشروط في رمضان سنة أربع وثلاثين، وقام قاضياً ستّة أعوام، لم يأخذ على قضائه شيئاً. ويوم أن قَبِل القضاء دخل على ابنته خديجة، وكانت من الخيِّرات،