تحديد زمن كتابته من إرادة حرّة، أو اختيار يبيح لي التأجيل الطويل، وسأذكر قصّة تأليفه، سواء أسخر الناس منها أم لم يسخروا، وسواء أصدّقوها أم أنكروها، إنّني أروي هنا ما وقع لي شخصياً، أرويه كما حدث دون زيادة أو نقص، وما من شكّ فإنّ المنكرين والشاكّين والساخرين لا يزيدهم ذلك إلاّ شكاً وإنكاراً واستمراراً في السخرية..». ثم يتكلّم الدكتور عبد الحليم في ما صادفه في التحضير لهذا الكتاب، وطلبه المراجع من أصدقائه، كما وجد في دار العشيرة المحمدية بعض المراجع، ومنها كتاب «درة الأسرار» ثم سافر الدكتور إلى عدّة أقطار، واستكمل المراجع، ثم يقول: «ثم صرفتني الصوارف، وطويت صحف أبي الحسن، وشغلت بأُمور أُخرى، ومضت الأيام والسنون وصحف أبي الحسن مطويّة، حتّى إذا كانت سنة 1962 دُعيت إلى تونس أُستاذاً زائراً لمدّة شهر بجامعة الزيتونة، فتجدّدت عندي الذكريات عن أبي الحسن، وأخذت اتنسّم عبيره في تونس، لقد صعدت إلى الجبل الذي كان يتعبّد به، ودخلت المغارة التي كان يعتكف بها، ونزلت إلى نهاية المغارة، وجلست خاشعاً متعبّداً حيث كان يتعبّد أبو الحسن، وحيث كان يقضي الساعات الطوال ليلا ونهاراً، وحيث كان يخلو فريداً بربّه متضرّعاً، يغلبه الشوق، وتغمره المحبّة، ويعمر قلبه اليقين، وشعرت في المغارة بطمأنينة النفس، وبالسكينة تملؤني، وبتجمّع خواطري بصورة عجيبة، وبالتركّز الذهني الذي يندر ويعزّ وجوده». ثم يقول الدكتور عبد الحليم: «وكنت في ليبيا أُستاذاً زائراً للجامعة الإسلامية هناك، وكنت قد انتهيت من إلقاء المحاضرات في البيضاء وبني غازي وطرابلس، وكنت قد اتّخذت الإجراءات للسفر حاجّاً إلى بيت الله الحرام، وبينما أنا في طرابلس أنتظر أن أبحر منها إلى الأراضي المقدسة إذ بي أرى فيما يراه النائم شخصاً أعرفه، اسمه «توفيق» أراه في ملابس غير ملابسه العادية، أراه يلبس ملابس شرطي، ويمسك بيده قيداً ويقولى لي آمراً: اكتب عن أبي الحسن الشاذلي، وتلكّأت في الإجابة، وأردت أن أهمل الموضوع، وأن أتحدّث معه في شيء آخر، فإذا به يهدّد بوضع القيد في يدي، وإذا به ينذر ويتوعّد، فقلت له: هل معنى ذلك أن أترك ما بيدي من أعمال لأكتب عن أبي الحسن الشاذلي ؟ فقال: نعم، اترك ما بيدك من أعمال واكتب عن أبي الحسن، ورضي توفيق حينما وعدت بالكتابة...، واستيقظت». ويقول الدكتور عبد الحليم محمود: