ألم يحدّثنا القرآن الكريم بصورة لا تحتمل التأويل بأنّ عيسى (عليه السلام) كان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله ؟ وأنّه كان يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله ؟([430]). ألم يحدّثنا عن سيّدنا موسى بأن ألقى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون([431]) ؟ وبأنّه أخرج يده فإذا هي بيضاء للناظرين ؟([432]) وسيّدتنا مريم، ألم تحمل بسيّدنا عيسى من غير أب، خارقةً بذلك قوانين الطبيعة ؟ وكانت كلّما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً، قال: يا مريم أنَّى لك هذا ؟ قالت: هو من عندالله([433]). (2) ثم إنّ ما نسمّيه قوانين الطبيعة، إنّما هو في الواقع عادات طبيعة، وخرقها ليس بمستحيل عقلا، وخرقها لا يترتّب عليه مستحيل، وعادات الطبيعة لا تسيطر على ربّ الطبيعة. (3) ثم إنّ هؤلاء الذين تجري على أيديهم المعجزات أوالكرامات لا ينسبونها لأنفسهم، وإنّما ينسبونها إلى المتفضّل الوهّاب، صاحب القدرة والقهر، إنّهم ينسبونها إلى من هو على كلّ شيء قدير. (4) والملاحظ في منكري الكرامات على مرّ العصور: أنّهم يتميّزون بألوان الغلظة وقساوة القلب، فلا تجد منهم رقّة الشعور، ولا صفاء البصيرة، ولا ملائكية الروح، وهم إن لم يكونوا من الملاحدة، فهم من الصنف الذي لم يخالط الإيمان شغاف قلبه، وإنّما بقي صورةً عائمةً على السطح. (5) وجمهرة المسلمين على مرّ العصور، عامّتهم وخاصّتهم وقممهم الشوامخ في العلم والدين، من الذين يثبتون الكرامات ويؤمنون بها». ويضرب الدكتور عبد الحليم محمود مثلا خاصّاً به يضيفه إلى الأسباب العامّة التي