يجب أن يخضع العقل الإنساني للرسالات الإلهية، وهي التي تمدّه وترشده وتهديه، فإذا استجاب لها أمن على نفسه العثار والزلل، وإذا جمح وتأبّى عليها وقع في أغلال الغرائز، وانقلب عمله كلّه إلى استجابات مادّية تصبّ الحقائق في قوالب مادّية، وتُحيل الديانات والعقائد إلى مجموعة من الصور الوثنية. والعقل الإنساني ـ وهذا مكانه من الرسالات الإلهية ـ كثيراً ما يقوده الغرور الأخرق إلى أن يقف منها موقف الحاكم المستبدّ، فيثبت من حقائقها ما يشاء، ويمحو منها ما يشاء، ويتشكّك فيما يشاء. ومن العجيب أنّه في إتيانه ومحوه وشكّه أوتشكّكه لا يعتمد على منطق واحد، ولكنّه التشهّي الذي تقوده إليه الغرائز الجامحة، فتوقعه في الخبط والخلط، في الوقت الذي يزعم فيه أنّه استوى على عرش المجد الفكري ! ومن هذه الحقائق التي وقف فيها ذلك الموقف، فأنكر منها أشياء، وارتاب في أشياء، وثبتت منها أشياء: المعجزات والكرامات. ولقد وصل الأمر ببعض المنكرين للكرامات أن أنكروا كلّ المعجزات الحسّية التي ذُكرت للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في السنّة الصحيحة، وفي الأخبار التي محّصها رجال الحديث، واكتفوا في المعجزات بالقرآن الكريم، نافين كلّ شيء غيره ممّا ذكرته كتب الصحاح على اختلاف أنواعها. إنّ روح الكثيرين في العصر الحاضر تنادي بإنكار الكرامات، وتسخر في وضوح أوإشارات بكلّ من يروي كرامةَ ولىّ ويقول الأستاذ الدكتور عبد الحليم محمود في كتابه «أبو الحسن الشاذلي»: «ومع قيام هذه المشكلة أمامي(مشكلة إنكار الكرامات) في وضوح، فإنّني لم أتردّد قط في أن أبدأ كتابي بكرامة لأبي الحسن الشاذلي، وما شككت قطّ في ثبوتها، وما شككت قطّ في صحة النقل، ثم وجدتني أنقل هذه الكرامات في مناسبة، وتلك في أُخرى، ولم أجد في ضميري عتاباً، ولا في شعوري تراجعاً، ولا في ذوقي نفوراً. لماذا لم أجد حرجاً في نقل بعض الكرامات ؟ للأسباب الآتية: (1) أنّ القرآن الكريم يحدّثنا في أُسلوب لا لبس فيه عن المعجزات التي تفضّل الله بها على رسوله وأنبيائه، ويحدّثنا عن الكرامات التي منحها سبحانه وتعالى لأولياء وأصفيائه.