وفي اعتقادي أنّه ليس هذا التوسّل ممنوعاً أصلا([418])، لأنّ التوسّل بالولىّ إنّما يطلب من الله إجابة طلبه إكراماً لهذا الولىّ، لاعتقاده أنّ هذا الولىّ أقرب منه إلى الله تعالى، وهذا لا فرق فيه بين الحىّ والميّت ; لأنّ الفاعل هو الله تعالى بل إنّه بعد الموت أقرب منه حال الحياة الدنيوية ; لأنّ الروح بعد الممات غير مشغولة بتدبير شؤون البدن. ولكن ما هي الوسيلة ؟ الوسيلة جاءت في سورة المائدة في قوله سبحانه وتعالى:(يأيها الذين آمنوا اتّقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلّكم تفلحون)([419]) و«الوسيلة» و«الوصيلة» لفظان معناهما واحد، أي: ما يتوصّل به إلى المقصود. ومعنى قوله تعالى:(وابتغوا إليه الوسيلة): اطلبوا ما يوصلكم إليه، فمعنى الآية: اتّقوا الله واطلبوا ما يوصلكم إليه، وتقديم «إليه» في قوله تعالى:(وابتغوا إليه الوسيلة) لإفادة الحصر، أي: اطلبوا ما يوصل إليه وحده، لا إلى غيره. وما الذي يوصل المؤمن إلى ربّه ؟ أوّل ما يوصل المؤمن إلى ربّه إيمانه الصادق وعمله الصالح، كذلك من الوسائل التي توصل الإنسان إلى ربّه دعاء غيره له، فالإنسان إذا عمل أعمالا، أوتخلّق بأخلاق، أوأسدى معروفاً، وأدّى هذا إلى أن تنطلق ألسنة الناس بالدعاء له، فهذا من غير شكّ وسيلة توصل الإنسان إلى ربّه، وهذا داخل في قوله تعالى:(وابتغوا إليه الوسيلة). ولهذا لمّا استأذن عمر بن الخطّاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أن يعتمر، وأذن له الرسول في أن يعتمر قال له: «لا تنسنا يا أخي من دعائك»([420]). وفي الحديث: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له»([421]).