الآخرة والفجر، ثمَّ غدا والناس معه، فكانت قريش تفيض من المزدلفة وهي جمع ويمنعون الناس أن يفيضوا منها، فأقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقريش ترجو أن تكون إفاضته من حيث كانوا يفيضون، فأنزل الله على نبيّه (صلى الله عليه وآله): (ثمَّ أفيضوا من حيثُ أفاض الناس واستغفروا الله) ([234])، يعني: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق (عليهم السلام) في إفاضتهم منها ومن كان بعدهم، فلمّا رأت قريش أنّ قبّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد مضت كأنّه دخل في أنفسهم شيء لِلّذي كانوا يرجون من الإفاضة من مكانهم حتّى انتهى إلى نمرة ـ وهي بطن عرنة بحيال الأراك ـ فضرب قبّته وضرب الناس أخبيتهم عندها، فلمّا زالت الشمس خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه قريش وقد اغتسل وقطع التلبية حتّى وقف بالمسجد فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم، ثمَّ صلىّ الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين، ثمَّ مضى إلى الموقف فوقف به ـ إلى أن قال ـ: وفعل مثل ذلك بمزدلفة، فوقف حتّى وقع القرص ـ قرص الشمس ـ ثمَّ أفاض وأمر الناس بالدّعة حتّى إذا انتهى إلى المزدلفة، وهي المشعرالحرام، فصلّى المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين، ثمَّ أقام حتّى صلّى فيها الفجرـ إلى أن قال ـ: فلمّا أضاء له النهار أفاض حتّى انتهى إلى مِنى، فرمى جمرة العقبة، وكان الهَدي الذي جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعاً وستّين أو ستّاً وستّين، وجاء علي (عليه السلام) بأربع وثلاثين أو ست وثلاثين، فنحر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ستّاً وستّين، ونحر علي (عليه السلام) أربعاً وثلاثين بدنة، وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله): أن يُؤخذ من كلّ بدنة منها جذوة من لحم، ثمَّ تُطرح في برمة ثمَّ تُطبخ، فأكل رسول الله (صلى الله عليه وآله) منها وعلي (عليه السلام) وحسيا من مرقها، ولم يُعطَ الجزّارين جلودها ولا جِلالها ولا قلائدها وتصدّق به، وحلَق وزار البيت، ورجع إلى مِنى فأقام بها حتّى كان اليوم الثالث من آخر أيّام التشريق، ثمَّ رمى الجِمار ونفر حتّى انتهى إلى الأبطح...»