في الجاهليّة، الأمر الذي كان يستفيد منه الرسول (صلى الله عليه وآله) ليعلن دعوته المباركة بكلِّ حرّية تماماً، كما استفاد من انتساب البيت لإبراهيم (عليه السلام) لإحياء نداء إبراهيم (عليه السلام) التوحيدي ونفي شبهات اليهود والنصارى. ثالثاً: الإشعار بالتلاحم بين القداسة والأمان في ظلّ الحكم الإلهيّ الأصيل... وأنّه إذا كان الحرم لله; ولذا صار محلاًّ للأمن والقداسة، فإنّ كلّ الوجود لله، وإنّ إشعاعات هذه الحقيقة لَتمتَدُّ إلى كلِّ الوجود; ولذا فلا مجال لأيّ طغيان أو تخويف أو إرعاب للمؤمنين بالله، فإذا لم تتحقّق هذه الحقيقة في كلّ الأرض فإنّ على المؤمنين أنْ يعملوا على توسعة هذه الدائرة المقدّسة الآمنة لتصل إلى مرحلتها الشاملة. رابعاً: كما قد تكون هاتان الخصيصتان: (القداسة والأمان)، سرّاً من أسرار انجذاب القلوب إلى هذه البقعة الطاهرة للتنعّم بعطائها، الكبير وهو ما لاحظناه في النصّ السابق عن الإمام علي (عليه السلام) حينما قال: «ويألهون إليه ولوه الحَمام» ([97]). إنّ القلوب لتَرِد هذه الأماكن الطاهرة بكلّ عشق ووله، وتتطهّر في أجوائها المضمّخة بالعطر الإلهيّ النقيّ، وترجع إلى حياتها الاجتماعيّة، بعيدة عن أوضار المادّة، سليمة طاهرة، تتلقّى العطاء الإلهيّ بكلّ صفاء، وتنشر الرحمة والودّ والعطف في أرجاء المجتمع، موفِّرةً الجوّ العاطفي المطلوب في المجمتع الإسلامي. هذا، بالاضافة إلى أنّ الجوّ العاطفي الملتهب حبّاً يدع القلوب أكثر استعداداً وإقبالاً على العبادة واستماع الوحي، والتعلّق بالمضامين التي ترمز إليها عمليّة الحجّ، وما هي في الواقع إلاّ تربية عباديّة سياسيّة على إقامة المجتمع المسلّم لله. خامساً: ثمَّ إنّ هذا الأمان المُعطى للإنسان والحيوان والأعشاب والأرض في هذه البقعة المقدّسة لَيُعبّر عن تلاحم طبيعيٍّ رائع بين عناصر الكون لتحقيق هدف