فنادى المنادي فمرّ المنادي بالمقداد بن الأسود فقال: أما لتجدنّ عند القلائص رجلاً ينكر ما تقول، فلمّا انتهى المنادي إلى علي (عليه السلام)، وكان عند ركائبه يلقمها خبطاً ودقيقاً، فلمّا سمع النداء تركها ومضى إلى عثمان فقال: ما هذا الذي أمرت به؟ فقال: رأيٌ رأيته، فقال (عليه السلام): والله لقد أمرت بخلاف رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثمَّ أدبر مولّياً رافعاً صوته: لبّيك بحجّة وعمرة معاً، لبّيك، وكان مروان بن الحكم يقول بعد ذلك: فكأنّي أنظر إلى بياض الدقيق مع خضرة الخبط على ذراعيه» ([574]). قال الحرّ العاملي في (الوسائل): أقول: المراد أنّه لبّى بالعمرة المتمتّع بها إلى الحجّ، فيكون نوى الحجّ والعمرة معاً لشدة ارتباطهما، بدليل: إنكار النهي عن التمتّع ([575]). يعني: أنّ عثمان كان ينهى عن المتعة، والإمام كان يرد عليه بالفعل، ولا يكون كذلك إلاّ بالإهلال للمتعة. ما ورد عن طريق أهل السنّة: 1 ـ (صحيح البخاري): أخرج البخاري قال: حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا أبو شهاب قال: قدمت متمتّعاً مكّة بعمرة، فدخلنا قبل يوم التروية بثلاثة أيّام، فقال لي اُناس من أهل مكّة: تصير الآن حجّتك مكّية، فدخلت على عطاء أستفتيه فقال: حدّثني جابر بن عبد الله: أنّه حجّ مع النبي (صلى الله عليه وآله) يوم ساق البُدن معه، وقد أهلّوا بالحجّ مفرداً، فقال لهم: «أحلّوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة، وقصّروا، ثمَّ أقيموا حلاّلاً، حتّى إذا كان يوم التروية فأهلّوا بالحجّ، واجعلوا التي قدمتم بها متعةً» فقالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمّينا الحجّ؟ فقال: «افعلوا ما أمرتكم، فلولا أنّي سقْتُ الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم، ولكن لا يحلّ منّي حرام حتّى يَبلُغَ الهَديُ مَحِلَّه»، ففعلوا ([576]).