الأعصاب في أقصى المغرب وفي أقصى الشمال والجنوب. حقيقة واقعيّة في كلّ شيء إلاّ في ضمير الإنسان وفي روح الإنسان، وهذا هو المهمّ والأهمّ إذا أُريدت للإنسانيّة وحدة صحيحة صالحة جديرة بالدوام. ولن توجد هذه الوحدة إلاّ إذا وجد الشهداء في سبيلها. فأنعم بمقدم « أبي الشهداء » من جديد إلى ضمائر فريق كبير من بني الإنسان، لعلّهم يقدّمون رسالته خطوة واحدة أو خطوات في سبيل اليقين والعمل الخالص لوجه الحقّ والكمال. نتفاءل أو لا نتفاءل.. نتشاءم أو لا نتشاءم.. ليست هذه هي المسألة، وإنّما المسألة هي أنّ طريق التفاؤل معروف وطريق التشاؤم معروف، فلا تتحقّق مصلحة الإنسانيّة إلاّ إذا عمل لها كلّ فرد من أفرادها، وهانت الشهادة من أجلها على خدّامها، وتقدّم الصفوف من يقدم على الاستشهاد، ومن ورائه من يؤمن بالشهادة والشهداء. لا عظة ولا نصيحة، ولكنّها حقيقة تقرّر كما تقرّر الحقائق الرياضيّة. فلا بقاء للإنسانيّة بغير العمل لها، ولا عمل لها إن لم ينس الفرد مصلحته، بل حياته في سبيلها. لا بقاء للإنسانيّة بغير الاستشهاد.. وفي هذه الآونة التي تتردّد فيها هذه الحقيقة في كلّ زاوية من زوايا الأرض نلتفت نحن أبناء العربيّة إلى ذكرى شهيدها الأكبر، فنحني الرؤوس إجلالاً لأبي الشهداء. عبّاس محمود العقّاد