يزل « داؤنا العياء»([87]) كما قال أبو العلاء([88]). كان هذا شعوري بكتاب « أبي الشهداء » حين قرأته من جديد لتقديمه إلى هذه الطبعة. مسكينة هذه الإنسانيّة ! لا تزال في عطش شديد إلى دماء الشهداء، بل لعلّ العطش الشديد يزداد كلّما ازدادت فيها آفات الأثرة والأنانيّة ونسيان المصلحة الخالدة في سبيل المصلحة الزائلة، أو لعلّ العطش الشديد إلى دماء الشهداء يزداد في هذا الزمن خاصّة دون سائر الأزمنة الغابرة ; لأنّه الزمن الذي وجدت فيه الوحدة الإنسانيّة وجوداً مادّياً فعليّاً وأصبح لزاماً لها أن توجد في الضمير وفي الروح، كما وجدت في الخريطة الجغرافيّة وفي برامج السفن والطيّارات. الوحدة الإنسانيّة اليوم حقيقة واقعيّة عمليّة، ولكنّها حقيقة واقعيّة عمليّة في كلّ شيء إلاّ في ضمير الإنسان وروح الإنسان. حقيقة واقعيّة في اشتباك المصالح التجاريّة، وفي اتّصال الأخبار بين كلّ ناحية من الكرة الأرضيّة وناحية أُخرى. حقيقة واقعيّة في أعصاب الكرة الأرضيّة إذا صحّ هذا التعبير، فلا يضطرب عصب من أعصابها في أقصى المشرق حتّى تتداعى له سائر