فكان بلاؤهم بالمختار عدلاً لا رحمة فيه، وما نحسب قسوة بالآثمين سلمت من اللوم أو بلغت من العذر ما بلغته قسوة المختار. ولحقت الجريرة الثالثة بأعقاب الجريرة الثانية في مدى سنوات معدودات. فصمد الحجاز في ثورته أو في تنكره لبني أُميّة إلى أيام عبد الملك بن مروان([523])، وكان أحرج الفريقين من سبق إلى أحرج العملين. وأحرج العملين ذاك الذي دفع إليه ـ أو اندفع إليه ـ الحجّاج([524]) عامل عبد الملك.. فنصب المنجنيق على جبال مكّة، ورمى الكعبة بالحجارة والنيران، فهدمها وعفى على ما تركه منها جنود يزيد بن معاوية([525]).. فقد كان قائده الذي خلّف مسلم بن عقبة وذهب لحصار مكّة أوّل من نصب لها المنجنيق وتصدّى لها بالهدم والإحراق([526]). وما زالت الجرائر تتلاحق حتّى تقوّض من وطأتها ملك بني أُميّة، وخرج لهم السفّاح([527]) الأكبر وأعوانه في دولة بني العبّاس، فعمّوا بنقمتهم