الحسين أن يصيب منهم من يتعرّض للإصابة.. ولكنّه رأى شمر بن ذي الجوشن ـ أبغض مبغضيه المؤلّبين عليه ـ يدنو من بيوته ويجول حولها ليعرف منفذ الهجوم عليها، فأبى على صاحبه مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم وقد أمكنه أن يصميه([414]) وهو من أسدّ الرماة ; لأنّه كره أن يبدأهم بعداء([415]). * * * وكأنّه لمح منهم ضعف النيّة وسوء الدخلة في الدفاع عن مولاهم، وعلم أنّهم لا يخلصون في حبّه، ولا يؤمنون بحقّه، وأنّهم يخدمونه للرغبة أو الرهبة، ولايخدمونه للحقّ والذمّة.. فطمع أن يقرع ضمائرهم وينبّه غفلة قلوبهم، ورمى بآخر سهم من سهام الدعوة قبل أن يرمي بسهم واحد من سهام القتال. فخرج لهم يوماً بزي جدّه (صلى الله عليه وآله وسلم) متقلّداً سيفه لابساً عمامته ورداءه، وأراهم أنّه سيخطبهم، فكان أوّل ما صنعوه دليلاً على صدق فراسته فيهم ; لأنّ رؤساءهم ومؤلّبيهم أشفقوا أن يتركوا له آذان القوم، فينفذ إلى قلوبهم ويلمس مواقع الإقناع من ألبابهم. فضجّوا بالصياح والجلبة وأكثروا من العجيج والحركة ; ليحجبوا كلامه عن أسماعهم ويتّقوا أثر موعظته فيهم، وهو بتلك الهيئة التي تغضى عنها الأبصار وتعنو لها الجباه. ولكنّه صابرهم حتّى ملّوا، وملّ إخوانهم ضجيجهم هذا الذي