جلّ أهل بيته وأُخوته وبنو أخيه، ولزم في مسيره إلى مكّة الطريق الأعظم([306]) فلم يتنكّبه كما فعل ابن الزبير مخافة الطلب من ورائه. فصحّت في الرجلين فراسة معاوية في هذا الأمر الصغير، كما صحّت في غيره من كبار الأُمور. وانصرف الناس في مكّة إلى الحسين عن كلّ مطالب بالخلافة غيره، ومنهم ابن الزبير. فكان ابن الزبير يطوف بالكعبة كلّ يوم ويتردّد عليه في صباحه ومسائه، يتعرّف رأيه وما نمى إليه من آراء الناس في الحجاز والعراق وسائر الأقطار الإسلاميّة. فلبث الحسين في مكّة أربعة أشهر على هذه الحال، يتلقّى بين آونة وآونة دعوات المسلمين إلى الظهور وطلب البيعة، ولا سيّـما أهل الكوفة وما جاورها. فقد كتبوا إليه يقولون: إنّ هنالك مائة ألف ينصرونك، وألحّوا في الكتابة يستعجلونه الظهور([307]). وتردّد الحسين طوال هذه الأشهر فيما يفعل بهذه الدعوات المتتابعات، فبدا له أن يتمهّل حتّى يتبيّن جلية القوم ويستطلع طلعهم من قريب.