المحور الثاني ـ المرجعية والتقريب ومن أجل توضيح الموقف العام للمرجعية الدينية تجاه فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية والتعايش الفكري والاجتماعي بينها، أشير إلى أربعة أمثلة للمراجع بشيء من التوضيح. المثال الأول والثاني اختارها من الرعيل الأول للمراجع، حيث يمكن أن يعبّرا عن الجذور العميقة لهذه الفكرة، والمثال الثالث والرابع من الرعيل المعاصر، حيث يمكن أن يعبّرا عن الموقف الحقيقي الذي تراه المرجعية في الظروف الفعلية التي تعيشها أمتنا الإسلامية. وسوف يتبين من خلال الحديث عن هذه الأمثلة انّ هذا الاختيار يمثل أمراً واقعياً في حركة المرجعية، كما هو يمثل في الوقت نفسه ابعاداً في قضية الوحدة والتقريب والتعايش. الرعيل الأول للمرجعية يمثل كل من الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بأبويه والشيخ ابن الجنيد محمد بن أحمد بن الجنبيد البغدادي الاسكافي نموذجاً للرعيل الأول للمرجعية، حيث انهما عاصرا الغيبة الصغرى في بدء نشأتهما، وكانت مرجعيتهما في بداية الغيبة الكبرى. كما انّ الشيخ الصدوق يمثل في شخصيته وتربيته ونتاجه العلمي وانتمائه المدرسي مثالاً للمدرسة الفقهية الحديثية السائدة في العالم الشيعي آنذاك ولاسيما في بلاد (قم والري)، وانّ الشيخ ابن الجنيد يمثل في شخصيته وتربيته ونتاجه العلمي وانتمائه المدرسي مثالاً للمدرسة الفقهية الناشئة التي تقوم على أساس التفريع والاستنباط والاستنتاج والتي كانت ولادتها في بغداد، ويعتبر أحد مؤسسي هذه المدرسة، وإن كان قد سبقه نسبياً وعاصره فيها ابن أبي عقيل العماني الذي لا يظهر بصورة واضحة مكان استقراره ونشاطه العلمي.