بسم الله الرحمن الرحيم انتهت منذ ساعات في طهران أعمال أهم مؤتمر شهدته العاصمة الإيرانية، والذي قد يكون هو البداية الصحيحة لتنقية الأجواء بين مصر وإيران وإعادة العلاقات السياسية بين البلدين بعد قطيعة زادت على العشرين عاماً، فشلت خلالها كل محاولات رأب الصدع وإعادة المياه إلى مجاريها بين أكبر وأهم دولتين إسلاميتين. واللافت للانتباه في مسألة أزمة العلاقات بين البلدين أنها في كل مرة أوشكت على الانفراج كانت تعود فتتعقد لأسباب لازالت مجهولة تماماً، والمعروف أن إيران كانت قد وافقت أخيراً على طلب مصر في تغيير اسم (الاسلامبولي) الذي أطلقته على احد الشوارع في العاصمة احتراماً لمشاعر المصريين واحتراماً لرموز مصر السياسية والوطنية، وكانت تنوي أطلاق اسم (عز الدين القسام) على ذلك الشارع بدلاً من اسم الاسلامبولي.. ثم ما لبث هذا الأمل أن خفت وتلاشى هو الآخر، وإن كان يتردد الآن أنهم قد يطلقون على الشارع اسم (محمد الدرة). وأخيراً يأتي هذا المؤتمر ليلوح في أفق العلاقات بين البلدين أمل جديد، خاصة لأنه ينعقد تحت شعار الإسلام، ويتخذ من موضوع (التقريب) بين المذاهب الإسلامية، وتوحيد كلمة المسلمين وصفوفهم هدفاً له، وإذا كانت أميركا قد اتخذت من لعبة (كرة الطاولة) مدخلاً لبدء الحوار مع الصين للمرة الأولى في تاريخ البلدين، فإن الإسلام ادعى بطبيعة الحال ليكون الوسيلة الأمثل لجمع الطرفين ـ مصر وإيران ـ على كلمة سواء، سيما وأن فكرة (التقريب) هذه لها تاريخها الراسخ بين البلدين منذ الثلاثينات، بذل خلالها علماء الأزهر الشريف جهوداً فقهية عظيمة، حمل لواؤها أعلام من شيوخ الأزهر، كان في مقدمتهم الشيخ محمود شلتوت والشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ عبد العزيز عيسى، وغيرهم من مصر، ومن أئمة الشيعة في إيران آية الله القمي وآية الله البروجردي. كانت مصر هي المهد الذي ولدت فيه فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية لنبذ الخلافات وتوحيد كلمة المسلمين وتأليف قلوبهم، وكانت مصر أيضاً هي التي احتضنت الفكرة ورعاها أزهرها وعلماؤه، ومن ثم ظهرت هيئات وصدرت مجلات وانعقدت مؤتمرات حققت للأمة الإسلامية أجل الخدمات والفوائد، وقلصت خلافاتها واستبدلت الصعب بالممكن، إذ كرست جهودها في مساحة الاتفاق بين المذاهب وهي مساحة واسعة تبلغ 95% تقريباً، ونأت عن النبس في المسائل الخلافية التي تمثل الـ 5% الباقية، تاركة ذلك لمزيد من الاجتهاد، وإيراد الأدلة التي تطمئن كل طرف على صواب ما يعتقده. وإذا كانت فكرة التقريب تلك، قد نشأت للمرة الأولى إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية وكانت بمثابة رد فعل لها، وحاجة المسلمين الماسة آنذاك إلى نبذ خلافاتهم والدخول كقوة بارزة إلى عالم ما بعد الحرب، فإن الدعوة إلى هذا المؤتمر من قبل إيران (وهي التي تملك مجلساً أعلى للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية)، تأتي في وقت تشتد فيه الحاجة إلى تأليف المسلمين وتقاربهم ووحدة صفوفهم، وهي الوحدة التي تحاربها قوى الغرب وتبذل كل جهودها للحيلولة دونها … ومن ثم كان طبيعياً أن تتجه الأنظار من إيران صوب الأزهر الشريف، وهو المؤسسة الوحيدة في العالم الإسلامي القادرة على جمع كلمة المسلمين وحققت التقارب بين المذاهب الإسلامية عندما أجازت تدريس كافة المذاهب الفقهية ضمن البرامج التعليمية في المعاهد الأزهرية وجامعته الأزهر، وتقديمها في حيدة تامة