أنهم قد أحيط بهم، لولا أن قيض الله لأمة الإسلام في كل شعب قادة مصلحين ودعاة راشدين .. فكانوا يبصرونهم بعاقبة أمرهم، ويدعونهم إلى إصلاح ذات بينهم، والى الوقوف صفاً واحداً أمام أعدائهم المهاجمين لبلادهم وثقافتهم ودينهم، وشاء الله ان تنبعث فيهم (جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية)، تلك الجماعة التي عرفت كيف تشخص داء المسلمين، وكيف تصف لهم الدواء، فكنت والحمد لله من مؤسسيها الأولين، ووجهت معها نداءها الأعظم المستمد من كتاب رب العالمين (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)، فاستمع إليه الشيعي والسني، واستجاب له العربي والعجمي، وتبادل العلماء في كل شعب رسائل العلم، ورسائل الدين، يبحثونها في ظل الأخوة الإسلامية التي أثبتها الله في كتابه للمؤمنين، لا يهدفون إلا إلى الحق، ولا يريدون إلا الوصول إلى حكم الله الذي هم به جميعاً مؤمنون، لم يعد يقام للعصبية وزن، ولا يحسب للشقاق المذهبي حساب. لقد كان التقريب بين المذاهب على منهج واضح هو محور فقه الشيخ وعمله وهو ما عبره الشيخ محمود شلتوت بعباراته البليغة (لقد آمنت بفكرة التقريب كمنهج قويم، وأسهمت منذ أول يوم في جماعتها، وفي وجوه نشاط دارها في أمور كثيرة، ولقد تهيأ لي بهذه الأوجه من نشاط العلمي أن أطل على العالم الإسلامي من نافذة مشرقة عالية، وأن أعرف كثيراً من الحقائق التي كانت تحول بين المسلمين واجتماع الكلمة، وائتلاف القلوب على أخوة الإسلام، وأن أتعرف إلى كثير من ذوي الفكر والعلم في العالم الإسلامي، ثم تهيأ لي بعد ذلك وقد عهد إلي بمنصب مشيخة الأزهر أن أصدر فتوى في جواز التعبد على المذاهب الإسلامية الثابتة الأُصول المعروفة المصادر، والمتبعة لسبيل المؤمنين ومنها مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، وهي تلك الفتوى المسجلة بتوقيعنا في دار التقريب، والتي كان لها ذلك الصدى البعيد في مختلف بلاد الأمة الإسلامية، وقرت بها عيون المؤمنين المخلصين الذين لا هدف لهم إلا الحق والألفة ومصلحة الأمة، ولم يكن الشيخ شلتوت يوم إصداره الفتوى إلا معلناً عما كان يمارسه منذ مارس الإفتاء، يقول الشيخ عن ذكرياته وهو يتصدر للإفتاء، ولا أنسى أني كنت أفتي في كثير من المسائل بمذهب الشيعة، وأخص منها بالذكر ما نجد الناس في حاجة ملحة إليه وهو فيما يختص بالقدر المحرم من الرضاع، كما أخص بالذكر