في الإنشاء قولاً وكتابة، واللغة متناً ومبادئ، والهندسة وتقوّم البلدان، ومنع التقيّد في الدراسة بكتب دون أخرى، وحرّم قراءة التقارير والحواشي في السنوات الأربع الأولى وأجازها بعد ذلك، وجعل أقل مدة للدراسة اثني عشرة سنة وأكثرها خمس عشرة سنة، وجعل الامتحان على مرحلتين، الشهادة الأهلية وهي لمن قضى ثماني سنوات فأكثر، والشهادة العالمية وهي لمن قضى اثني عشرة سنة فأكثر، وجعل لحامل كل شهادة أهلية وظائف معينة، لقد فتح هذا القانون أبواب الأزهر كلها وضرب في كل واحد منها بسهم من الإصلاح، ولفت الذهن إلى أن هناك خيراً غير الذي عرف إلى يوم وضعه، وأن التمسك بما كان عليه من قبلنا لا معنى له مادام لا يطابق الواقع، ولا يتفق مع حاجات العصر، ولا شبهة في أن الأزهر قد تغير بعد القوانين الإصلاحية، إن لم يكن من جهة العلم وتحصيله، فمن جهة قابلية أهله للرقي، فقد أصبحوا طلاب إصلاح بعد أن كانوا لا يطيقونه إلا مغلوبين على أمره. وقد سمى هذا القانون بإصلاح الشيخ محمد عبده، وقد ظل مطبقاً عشر سنوات ثم انفرط منهجه، وغاب أثره بخروج الشيخ محمد عبده من مجلس الإدارة، ثم وفاته سنة 1905، إلا أن القانون وضع تلاميذ الأستاذ الإمام على درب جديدة، ومسالك مستحدثة، تمثلت في الثورة على ما كان في الأزهر من مناهج للدرس، ومراجع الدراسة، وأظهرت كوكبة من تلاميذ الإمام محمد عبده مقدرة فائقة في النقد المنهجي كان في مقدمتهم حسين والي في كتابيه (التوحيد) و(كلمة التوحيد)، والشيخ بدر الدين الحلبي في كتابه الهام (التعليم والإرشاد)، والعلامة طنطاوي الجوهري في مؤلفاته وتفسيره، والشيخ محمد مصطفى المراغي ـ أستاذ العلامة محمود شلتوت ـ في أعماله وأقواله، ولقد كان هذا التطور عظيماً، إذا قيس بالقرن التاسع عشر الذي تراكمت فيه العصبية المذهبية في رحاب الأزهر على نحو أرهق العقل، وشوه النقل حتى يروي صاحب التعليم والإرشاد (لقد كان أهل المذاهب في مصر من نصف قرن ـ الكتاب صادر سنة 1906 ـ مضى كالدول المتحاربة لا يتأخر صاحب مذهب عن أذية صاحب مذهب آخر متى لاحت له فرصة وأمكنته، ولقد سمعت الشيخ عبد الرحمن البحراوي يقول: كنا إذا خرجنا من الأزهر للحضور على السيد أحمد الكتبي مفتي الحنفية