تقديم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد. فإن حياة عظماء الرجال تقاس بمقدار كفاحهم ونضالهم من أجل بلوغ المثل العليا والقيم النبيلة للمجتمع المثالي. والإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت أحد هؤلاء الرجال الذين قطعوا في هذا الطريق شوطاً بعيداً، فقد كان فقيهاً واسع الأفق بصيراً بالأحكام الشرعية الملائمة لحاجات الناس ومقتضيات العصر، وكان مفسراً حافظاً لكتاب الله، وملماً بسنن الكون، وعالماً اجتماعياً ومصلحاً كبيراً يعرف أمراض المجتمع ووسائل علاجها. وكان رحمه الله مجدداً لا يخشى في الحق لومة لائم، فقد حارب الجمود والعصبية المذهبية التي جعلت من المذاهب أدياناً، وفرقت بين المسلمين وجعلتهم شيعاً وأحزاباً، وقد ندد بفكرة سد باب الاجتهاد في الشريعة الإسلامية واعتبره حجراً على العقل، وتعطيلاً لكتاب الله، ومجافاة لنصوصه الداعية إلى البحث والنظر. لقد كان الإمام الأكبر ـ بحق ـ رائداً من رواد النهضة الإسلامية في العصر الحديث، وإماماً فذاً من أئمة المسلمين الذين حملوا لواء الإصلاح في الأزهر وكان من الإباء والترفع والخلق العظيم بمنزلة يعرفها له كبار الحكام حتى إنهم يتطامنون في حضرته رعاية لمقامه وتقديراً لكلمة الحق التي عرف بها والتي كانت طبعه وطابعه. مولده ونشأته ولد رحمه الله في 23 ابريل 1893م بقرية بني منصور مركز إيتاي البارود مديرية البحيرة ـ حالياً محافظة البحيرة ـ وبعد أن أتم حفظ القرآن الكريم في كتاب القرية التحق بالأزهر الشريف (بمعهد الإسكندرية الديني) سنة 1906م.