الوحيد الذي يعد جامعة كبرى للمعارف الإسلامية، وما يتصل بها من دراسات عربية تمكن للدارس فهم دينه الصحيح، وهو الجامع والجامعة الذي يعنى بالمحافظة على القرآن الكريم ودراسته، باعتباره المصدر الإلهي لهذه الدراسات، فقد ألقيت على كاهله تبعات الاحتفاظ بتلك الشخصية الإسلامية كما ألقيت على كاهله أعباء النهوض واستمرارها كما يريدها الله، فهو القطب بل المنارة العالية التي تتجه إليها أنظار طلاب هذه الشخصية من جميع شعوب العالم الإسلامي، كما أنه مصدر الإشعاع والتوجيه الإيماني والحيوي في دراسته لمجموع تلك الشعوب الإسلامية وبه كانت مصر قبلة الشعوب الإسلامية في تلك الدراسات، إلى مصر تتجه، ومنها تستمد زادها الإسلامي. إذن فرسالة الأزهر كما هو واضح ليست رسالة محلية، وليست مقصورة على بعض نواحي المعرفة الإنسانية فقط، وإنّما هي رسالة تتجاوز ظاهر الحياة إلى باطنها، وتتجاوز أيضاً توصيل المعرفة للفرد والجماعة إلى تنمية العلاقات بين الشعوب العربية والإسلامية عن طريق القلب والإيمان من خلال تلك الرسالة التي هي حبل الله المتين والممدود من السماء إلى الأرض ليربط تلك الشعوب الإسلامية برباط التعارف والإيمان تحت ظل التقوى والعمل الصالح مصداقاً لقوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوب وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وقوله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم). هذه رسالة الأزهر في ذاتها وخطورتها، ولو أن الأمة الإسلامية ظلت متمسكة بشخصيتها المعنوية التي افيضت عليها من العليم الخبير إلى يومنا هذا، لما كنا في حاجة إلى التحدث في موضوع رسالة الأزهر لأن رسالة الأزهر من يوم أن انشئ هي بعينها (المعارف الإلهية التي رسمت بها السماء للأمة الإسلامية محيط شخصيتها المعنوية)، (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون). والحديث عن سمو رسالة الأزهر يطول بقدر ما أودع في المكتبة الإسلامية من مواد خدم بها الشخصية الإسلامية، واتسع نطاقها فخدم بها الإنسانية كلها، ويطول بقدر ما انتابه في حياته الطويلة من عوامل ترفعه وتقويه تارة، وتنزل به وتضعفه تارة أخرى، وهو اليوم والحمد لله بفضل قيادته الواعية الفاهمة لدور الأزهر، وبفضل علمائه الأجلاء أصحاب الفكر المستنير،