ثانياً إن دراسة الفقه، دراسة مقارنة، وإن كان أمراً عادياً بالنسبة لسعة أفق الإمام وحدة ذكائه وقوة استيعابه وفهمه لأسرار التشريع الإسلامي، حتى إنه ليصعب على مثله وقد آتاه الله تلك الملكات القوية في الفهم والاستيعاب وحسن البيان ودقة التعبير أن يقتصر في دراسته على مذهب معين من مذاهب الفقه الإسلامي أو اتجاه واحد من اتجاهات الفكر الإنساني ومع ذلك، فإنه لا يمكن إنكار أن هذا النوع من الدراسة هو الذي زاده تمكيناً وقوة وسعة أفق أكثر للتعامل مع المذاهب الإسلامية المختلفة بما يحقق أكبر فائدة للإسلام والمسلمين، ومن يكن هذا شأنه، لا يمكن ان يتغافل عما في مذهب الشيعة الاثني عشرية من الأحكام الفقهية السديدة التي قد ترجح في موازنتها بغيرها من آراء المذاهب الأخرى، وقد ترفع الحرج عن الأمة بتيسير أمر معين، أو القضاء على عقبة فقهية يشق العمل بها على الناس. ثالثاً ان الدوافع التي حدت بالإمام الكبير إلى الحماس لفكرة التقريب مازالت قائمة، وربما زادت الدواعي إليها عن عهده، فقد أصبح العالم يشهد فكراً جديداً تمثل فيما يسمى بالعولمة التي لا تتعامل الدول فيها فرادى، وإنّما في أطار تكتلات دولية تقوى على المنافسة، وتحظى باحترام التكتلات التي تناظرها، وما لم يكن للمسلمين وجود دولي قوي يرتفع فوق الخلاف وينظر إلى الرأي الآخر نظرة تقارب وموازنة تتوخى الوصول إلى خير الآراء، فإنهم لن يحظوا بوجود دولي يليق بما لهم من مكانة، وما يستحقه الدين الذي يؤمنون به من تكريم وإجلال، ولهذا كانت الوحدة الإسلامية ضرورة شرعية قبل أن تكون ضرورة وجود وحياة قائمين على احترام العالم وتقديره، وذلك يقتضي دعم كل عمل يوصل إلى تلك الغاية المهمة، ومن بين ذلك ـ بالقطع ـ فكرة التقريب بين المذاهب. رابعاً إن عمل فضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت في سبيل دعم فكرة التقريب مع من