اني أقول: أبي، فأستبين صغري للكبير الذي أنسبه، وأقول ولدي، فأدل بكبري على الصغير الذي أنجبه، وأقول: أخي، فأشعر بأرض تسويني بمن أدعو على قدم، وبسقف يظلني وإياه على سواء، وبسبب جمعني وإياه في الوجود، ولبن شركني معه في الغذاء، وأحس بصلة تلفني به لف النظير بالنظير، وضم الظهير للظهير، وأذكر شريعة ما ثلته بي في الحقوق، وعادلتني معه في الواجبات، وكافأني به في الحرمة. بلى، وأذكر يداً كريمة عليا باركت لنا هذا النسب، ووطدت بيننا هذه الصلة، وعقدت بيننا ميثاق الولاية ومدته بقانون النصرة... أخي.. بَتَّ اللهُ حوادثَ ظالمة أقصتني عنك وباعدتك عني، فما وصل اللّه هذا السبب ليقطع، وما نصب هذا الذمام ليخفر، وما حَصّن الرسول هذه الوحدة لتتمزق. لم أر كالإسلام ديناً يتّسع لمذاهب الفكر، ويُكبرُ نتاج العلم، ولم أر كالقرآن كتاباً ينشّط حركة الرأي ويكره خمود الوعي، ثم لم أرَ كالمسلمين أتباعاً يحرجون بما أنفسح له دينهم، ويبرمون بما نشط له كتابهم!! إن المسلم يرث من سلف له قولاً، أو يرى باجتهاد منه رأياً، فيخال أن الإسلام حكر على رأيه، فلا إسلام وراء الأكمة ولا إيمان خارج المضيق. وإذا لم يكن إسلام، فلا أخوة ترتجى.. بل ولا كرامة تحتشم... ولا رأي يحترم! ما هذا؟! ما هذا؟!. لقد فصلتني عن أخي فواصل، نعم، ولكن: أليس بيني وبينه ما يجمع؟!