ولكن اقصد بمنهج التفكر والتأمل أن تكون الصيغة العامة للمنهج هو التفكر والتأمل … وأما المنهج الثاني فهو الاستغراق في الصلاة والدعاء والذكر، وهؤلاء يدأبون في تلاوة القرآن والدعاء، وقيام الليل، والمواظبة على النوافل، ويعشقون الليل عشقاً، فإذا حل بهم الليل، وهدأت من حولهم الأصوات وغلقت الأبواب، وذهب الناس إلى مضاجعهم؛ قاموا إلى صلاتهم كما يقول ربنا تعالى: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) فلا تستقر جنوبهم على المضاجع حتى يهبّوا إلى عبادة الله. ولليل دولة وللنهار دولة، وكلتاهما دولة الصالحين. وهناك أبطال لدولة الليل رجالاً ونساء، وهناك أبطال لدولة النهار، وأبطال دولة النهار لابدّ لهم من دولة الليل حتى يتمكنوا من القيام بأعباء عبودية الله تعالى وطاعته والدعوة إليه في النهار، وأبطال دولة الليل تنقصهم دولة النهار، حتى لا تعزلهم دولة الليل عن الانصراف إلى مسؤولياتهم في النهار، فإذا تكاملت دولة الليل ودولة النهار عندئذ يتكامل الإنسان، ويؤدي حق هذين الشطرين العظيمين من حياته. والعلماء أمراء دولة الليل والنهار. ولذلك يجب عليهم ان يحرصوا على أن يعطوا حق الليل والنهار بشكل كامل. يقول أمير المؤمنين (ع): (أما الليل فصافون اقدامهم يرتلون القرآن ترتيلا، ويستثيرون به دواء دائهم … أما النهار فحلماء علماء أبرار أتقياء قد برأهم الخوف بري القدّاح). ومن مناهج التربية والتزكية ترويض الجسم والنفس. ومن مفردات الترويض الصيام، والكف عن لذائذ الطعام، والكف عن الاستغراق في النوم … وبين الجسم والروح علاقة عكسية فكلّما بالغ الإنسان في لذات جسمه ـ حتى المحللة منها ـ تضاءل حظه من المعرفة والبصيرة والخشوع، والإنابة، والدعاء، والمناجاة … وهو رزق تتلقاه النفوس من عند الله، كما تتلقى الأجسام المطاعم والمشارب والمناكح من عند الله، وكل منهما رزق الله، ولكن الإكثار من الأول يؤدي بصورة قهرية إلى تحجيم وتحديد حظّ الإنسان من الرزق الثاني، ولابد