تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله)، يدخلون معنا في ساحات حياتنا، في السوق، والمدارس، والدوائر، والشوارع، ويعيشون كسائر الناس، إلا أن شيئاً من ذلك لا يشغلهم عن ذكر الله تعالى ويصح فيهم بشكل دقيق حديث الحاضر الغائب، فهم حاضرون في مجامع الناس بأبدانهم وغائبون عنها بقلوبهم حاضرون في مجامع الناس بأبدانهم لأداء المهمات التي ألقاها الله تعالى على عواتقهم، غائبون عنها لأن قلوبهم معلّقة بعزّ قدسه، ومشغولة عن الناس وهموم الحياة بذكر الله، وشغوفه بحب الله، وشائقة إلى لقاء الله وخائفة وجلة من عقوبة الله، ومولهة بجمال الله وجلاله. وأمثال هؤلاء متواجدون في هذه الحوزات، رجالاً ونساء، وشباباً وشيوخاً، لو خليت ـ كما يقال ـ لقلبت ، وليتك تراهم، وهم يقومون بين يدي الله في الأسحار خاشعين للصلاة، فتجري دموعهم على خدودهم وتسمع زفيرهم وانينهم، ونشيج بكائهم، وليتك تراهم وهم سجّداً بين يدي الله يحنّون إلى ربهم حنين الواله المشتاق، وترتعد فرائصهم من خشيته، وتخشع جوارحهم وجوانحهم بين يدي الله رب العالمين … لو رأيتهم في صلاتهم في الأسحار لشغلك ذلك عن نومك وصلاتك، ووددت يطول بك هذا المشهد ولا ينغلق ظلام الليل على الإصباح. وفي هذه الحوزات مناهج ومدارس للتربية والتزكية والتهذيب. وأهم هذه المناهج منهج التأمل والتفكير، والاستغراق في التأمل والتفكير، ومن مسالك التأمل والتفكير مسلك التأمل في النفس، فإن التأمل في النفس من أفضل مداخل التفكير في الله وذكر الله. وقد جعل القرآن الكريم التفكير في النفس قبل التفكير في الآفاق، وكلاهما هاديان إلى الله، ولكن التفكير في الأنفس أسرع وصولاً بالإنسان إلى الله من التفكير في الآفاق، رغم أن أيّاً منهما لا يغني عن الآخر، بالضرورة. ومن هذه المناهج منهج الذكر والعبادة والاشتغال بالصلاة والدعاء وقراءة القرآن، وهو من أهم هذه المناهج وأكثرها شيوعاً، ولسنا نقصد بالنهج الأول الانشغال بالتأمل والتفكير عن العبادة والعمل، فهذا ما لا تسوّغه روح هذا الدين،