بارتوائها من بحر علم الإمام علي ـ عليه السلام ـ وأصحابه، فأتسعت أكثر فأكثر. وما أعظم تاريخ الكوفة، وما أسمى ما أبقته لنا من آثار علميةٍ وأدبيةٍ لا تنسى مدى الدهر، وخاصة جامعها العظيم الذي هو قلب الكوفة النابض. وأصبحت مركزاً للسياسة الإسلامية وعاصمة للخلافة، كوفة العلم والأدب ومدرسة الثقافة الإسلامية الجامعة. ومما ضاعف من أهمية مدينة الكوفة هجرة الإمام علي ـ عليه السلام ـ القسرية والمفاجئة إليها بعد معركة الجمل وإقامته فيها، فتطلع إليها كافة المسلمين وعقدوا عليها الآمال. ومنذ ذلك الحين شيد أساس التشيع في تلك المدينة. وأقول بحق: إنّ من دواعي فخر الكوفة والعراق واعتزازهما أنّ تكونا منذ اليوم الأول قلعة صامدة وحصناً حصيناً للتشيع، وموطناً لأهل البيت ـ عليهم السلام ـ، وخندقاً لأتباع علي وأنصاره لقرون مديدة. وقد تحملت العبء الأكبر بعد الحجاز في بث الإسلام وتوسيعه شرق العالم الإسلامي أولاً، ثم غربه. وضمت الكوفة أصحاب علي ـ عليه السلام ـ المخلصين المضحين الّذين التفوا حوله، واستضاؤا بنوره، وهم يشكلون أغلب الصحاب والتابعين وعلماء الإسلام. لقد شاطروه همومه وفدوه بأنفسهم، وقاتلوا معه أعدائه وخصومه في الحروب المفروضة عليه: الجمل، وصفين، والنهروان. إنّ جميع أهل العراق كانوا من أنصار علي وأهل بيته ـ عليه السلام ـ في مقابل بني أمية. وكانوا هم الشيعة بالمعنى الأعم. بعد ذلك انضوى عدد منهم تحت لواء الشيعة بالمعنى الأخص تدريجيا. ولعلهم كانوا يشكلون الأغلبية. وكان أبرز المحدثين ورواة الأخبار الشيعة والسنة من أهل الكوفة وروي القسم الأعظم من روايات الأئمة ـ عليهم السلام ـ وأقوالهم ـ ولاسيما روايات الإمامين: